«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كنت أجلس مع أحد التربويين القدامى والذي تلقى دراسته الابتدائية في المدرسة الأولى بالمبرز، والتي كانت تقع جنوب «قيصرية المبرز» وجامع الامام فيصل بن تركي. عندما وزع علينا مضيفنا الكريم خبزا احمر، وضع بداخله جبنا سائلا، مع كأس حليب ساخن بالزعفران وشيء من الهيل. عندما قال مخاطبا المضيف: الله.. ذكرتني بايام الزمن الجميل عندما كان يوزع علينا في المدرسة «الخبز الأحمر والحليب» كل صباح في الفسحة الأولى، وأحيانا بعض حبات التمر، كانت وجبة بسيطة لكنها هامة، كنا ننتظرها بلهفة وشوق الجائع للطعام. وراح يسترسل وهو يقضم قطعة من الخبز ويحتسي الحليب.
لا أخفي أننا كنا في ذلك الزمن قبل 6 عقود وربما اكثر كان نسبة كبيرة من الطلاب يعانون من الفقر والفاقة والحاجة وضعف دخل الاباء والاهل، وكانت الاسر الغنية والثرية تكاد تكون محدودة العدد في المدينة، بل لو قلت لكم وبحكم زمالتي لبعض ابنائهم كان ايضا هؤلاء الزملاء يتشوقون لوجبة الفسحة «الخبز الأحمر والحليب» بل انها تعتبر وجبة غذاء شبه كاملة فهي تحتوي على مكونات غذائية اساسية. ثم استطرد قائلا: قبل سنوات عديدة كانت توزع وجبة طعام ممتازة نوعاً ما على مختلف الطلاب والطالبات على ما اعتقد، وكانت هذه الوجبة كما يقول الابناء مفيدة وهامة خصوصاً كونها تتضمن البروتينات، وهو عنصر هام في عملية بناء الاجسام، والجميع منا يعرف جيداً المواد التي يتوفر فيها هذا العنصر الغذائي الهام، وعندما نوفر لتلاميذنا أغذية توفر هذا العنصر وغيره نضمن بمشيئة الله عدم اصابة التلاميذ بنين وبنات بسوء التغذية وما ينتج عنها من امراض مختلفة لها علاقة بعدم تناولها، ولن نكون جبناء ونخفي رؤوسنا في الرمال، فهناك حتى اليوم في مجتمعنا أسر تعاني من ظروف اقتصادية وصعبة نتيجة لدخلها المحدود أو حتى لا يغطي كل مستلزماتها واحتياجاتها المختلفة، الأمر الذي يؤثر على عدم وجود طعام وغذاء متكامل للأبناء والبنات. ويجب ان يعرف الجميع ان نسبة كبيرة من امراض الاطفال وحتى البعض من الشباب يعود لسوء التغذية وعدم تناول طعام صحي ومثالي. لذلك اهتمت العديد من دول العالم بتوفير وجبة طعام صحية ومتكاملة لطلاب الروضة والمرحلة الابتدائية وحتى الاعدادية. عندها قاطعه احد الحضور في الجلسة قائلاً: صدقت يا أستاذ، أنا شخصيا وعندما كنت طالبا كنت أشعر بسعادة عندما احصل على الوجبة المدرسية. صحيح هناك ممن لا يتناولها ربما كونه تناول فطورا دسماً في بيتهم، أو البعض «شايف نفسه». لكن نسبة كبيرة من زملاء تلك الفترة كانوا يقبلون على الوجبة المدرسية باهتمام وحرص شديدين. ثم قال مخاطبا شخصي المتواضع: انت كرجل اعلام ما رأيك في (الوجبة الغذائية المدرسية)؟.. هل تؤيد ان تعود مجددا كما كانت في فترة ماضية؟ فقلت: حسب الذاكرة إن لم تخني فالاهتمام بالوجبة الغذائية لطلاب المرحلتين الابتدائية والاعدادية وقبلها الحضانة تعتبر ذات شأن هام وكبير. بل سبق ان عقدت العديد من المؤتمرات والندوات العالمية في أكثر من دولة نوقشت خلال هذه المؤتمرات والندوات العديد من الأبحاث والدراسات اتي ناقشت اهمية الوجبة الغذائية المدرسية. بل هناك توصيات أكدت على ضرورة توفيرها في مختلف الدول يتساوى في ذلك الدول الغنية والمتوسطة وحتى الفقيرة. وعدم توفير وجبة غذاء مدرسية يعتبر أمرا خطيرا. وما يصيب أطفال المدارس من امراض سوء التغذية يقع على كاهل حكومات الدول. بل هناك من اشار إلى أن الغذاء اهم من شراء السلاح بالمليارات. فما نفع وجود سلاح مع تلاميذ ضعفاء بنيتهم مهزوزة وتعشعش داخلها أمراض سوء التغذية؟!. وكما قيل «الجسم السليم في العقل السليم» وهذا لا يمكن تحقيقه بدون بنية مبنية صحيا وغذائيا.
أكتب هذه «الاطلالة» ونحن على مشارف عام دراسي جديد، فهل نعيد فيه وجبة عذائية متكاملة وصحية ومثالية لطلاب وطالبات المدارس ضمن برنامج التغذية المدرسية، والذي نأمل ان يتحقق ويرى النور مع اشراقة عام دراسي جديد. نأمل ذلك وكل عام دراسي والجميع بخير.