د. جاسر الحربش
علة ضعف الأداء عندنا شاملة، من المرور الغائب والمحاكم البطيئة والبلديات المعقدة إلى الخدمات الصحية المتدنية والتعليم المتكلس. المعلم عموما، سواء في التعليم الأولي أو الجامعي مجرد موظف ضعيف الأداء مثل غيره. الملاحظ تغير الأداء عند التحاق شاب سعودي بعمل بنكي أو شركة عابرة للقارات، عندئذ يتحسن أداؤه عموديا بسبب الدورات التثقيفية والتدريبية والحوافز الأفضل والرقابة والمحاسبة. الإشكال المزمن مع وظيفة المعلم يكمن في أنها الوظيفة المطلوب منها تخريج الكفاءات والمهارات المناسبة، وبما أنها حتى الآن لم تفعل ذلك، فعليها تحمُّل اللوم والنقد أكثر من غيرها، ولكن ذلك بشرط، يجب ألا يقع الجلد المعنوي على المعلم لوحده، بل أن يشمل كامل الهيكل التعليمي من الرأس إلى القدم.
المدرس مجرد حلقة في سلسلة، مجرد موظف مثل غيره يطبق المطلوب منه ويتمتع مثل غيره بنفس مزايا التحيز والشللية والتسيب قدر الإمكان، وهذا من حقه مثل غيره. عندما يسألني أحدهم، ألست أحد الذين درسوا هذه المناهج في نفس المدارس، أقول له نعم، ولكن سؤالك ناقص ودفاعي ملغوم، لأنك تبحث عن الجواب الذي يدعم أسباب الفشل. السؤال المحايد والعادل يكون هكذا: عندما ابتعثت أنت بعد الثانوية العامة إلى الخارج، هل وجدت نفسك مؤهلا بما يكفي للدراسة الجامعية هناك؟. جوابي عندئذ سوف يكون «لا»، ليس بسبب اللغة الأجنبية ولا الاختلاف في المفاهيم، وإنما بسبب ضعف التأسيس والتجهيز العقلي لاستقبال المعرفة بمتطلبات المنهجية والتفكير والتحليل. هذا الوضع كلفني آنذاك سنة تحضيرية كاملة بالإضافة إلى نصف سنة لتعلم اللغة، لكي أصبح قادرا على الجلوس مع طلبة الطب من مختلف أنحاء العالم في نفس القاعة وأمام نفس الأستاذ الألماني وأفهم ما يشرح، أو أفهم بعضه على الأقل، ليس بسبب المنطوق وإنما بسبب الترابط العلمي فيه.
هذا الوضع بالضبط ما زال موجودا عندنا في الداخل عند التحاق خريج الثانوية العامة بكلية علمية سعودية. على هذا الطالب عبور سنة تحضيرية كاملة يتعلم فيها إنجليزية غير التي نجح فيها في المدرسة، بالإضافة إلى تأسيس جديد في المواد العلمية. الكليات النظرية لا تحتاج بالطبع إلى هذا التأسيس الجديد، لأنها استمرار للنسق الذي اعتاده الطالب في المدرسة، أي تعليم غير منهجي لا يحتاج إلى تفكير مستقل.
هذه الإشكالية المعبرة عن رداءة التعليم ما قبل الجامعي يجب أن يعترف بها المعلمون في المدارس السعودية عند التحاق أبنائهم وبناتهم هم بالكليات العلمية في الجامعات السعودية. تربيتهم المنزلية في بيوت مدرسين ومدرسات للرياضيات والعلوم لم تؤهلهم للتفكير المنهجي المستقل وتغنيهم عن السنوات التحضيرية.
أكتفي في هذه الحلقة بهذا القدر على أن تكون التكملة في الحلقة القادمة، لأن النقاش في هذا الموضوع يجب أن يطول ويتنوع ويتفرع، استجابة للمماحكات الأخيرة والحساسيات التي انتشرت في التواصل الاجتماعي والإعلام حول وزارة التعليم والمعلمين وحول بعض ما قيل وكتب مما يحتمل الصحة والخطأ ويستوجب النقاش للمصلحة العامة.