عبد الله باخشوين
.. لا أدري من أين أبدأ.. لأنني منذ أن بدأت الكتابة في نحو الرابعة عشرة من عمري.. وحتى أسبوع مضى.. لم أجد أحدًا من الذين أحبهم ويحبوني «يجرؤ».. ويواجهني برأيه «الحقيقي» فيما كتبت وأكتب.
لكني أحمد الله أن تم هذا - ولو بعد أكثر من عشرين عامًا على «خراب مالطا» كما يقال - فذات يوم سخرت من الزميل الصديق والإنسان الجميل الكاتب والقاص محمد منصور الشقحا.. عندما كتب يعلن عن «اعتزال الكتابة».. غير أني الآن أجد نفسي في موقف يكاد يكون قريبًا من موقفه.. مع فارق جوهري يؤكد أن كل مصائب حياتي دون استثناء جلبتها لي «الكتابة».. كل الكتابة.. الصحفي منها والإبداعي.. وكل سعادة حياتي «خارج إطار أسرتي» حققتها لي الكتابة.
أما بعد مواجهة أسرتي لي.. قبل أيام قليلة.. التي أكَّدوا فيها أنني السبب الرئيس في مشكلات حياتهم.. والسبب الرئيس في صنع تعاستهم وانهيارات حياتهم وعدم استقرارها وذلك بفضل «كل ما كتبت وأكتب».. وأن سكوتهم طوال السنين التي مضت يعود لسبب وحيد هو أنهم يرون أنني كنت سعيدًا جدًا بكل «البلاوي» التي أكتبها.. ومتعنطز ومغرور وشايف نفسي «عمي ونص» وغير مقدر لخطورة المشكلات التي أضع نفسي فيها.. وكانوا يعيشون على أمل واحد يقول: «بكرة يركد.. بكرة يعقل.. بكرة يشوف الأمور صح ويفهم».. وبما أنهم قرائي الوحيديون.. فقد اجتمعوا وقرروا مقاطعة قراءة ما أكتب.. وبعد أن كانوا يقولون.. هذه القصة حلوة.. هذا المقال زي الزفت.. أصبح ردهم حين أسأل أحدهم «ما شفت الجريدة.. ما فضيت.. بعدين أقراه.. أوف أنتَ ما بطلت كتابة.. ما في أحد يقرأ لك ليش تكتب.. وقف أحسن».
وقررت أن «أوقف».. إلى متى.. لا أدري.. فقد أعود الأسبوع القادم.. أو بعد عام.. وهذا ليس غريبًا فقد سبق وأجبرت على ترك الكتابة لفترة لا تقل عن عشرة أعوام.. تفرغت خلالها لنزع أشواك ما كتبت عن جسدي بعد أن ردها لي من تفرغ لهندستها وإعادة توجيهها لي.
وهنا أجد الفرصة مناسبة للتوجه بالشكر الجزيل للأستاذ الكبير.. المعلم.. أو الريس.. ربان سفينة «الجزيرة» لما يقارب خمسين عامًا.. «أبو بشار» خالد المالك الذي لم يتح لي فرصة الكتابة لـ«الجزيرة».. بل نشر كما أردت أن أقول.. وأكثره كتبته وأنا على يقين من عدم نشره.. وكان ابني محمد يحتج ويقول: «يا بويا لا تتعبني وتخليني أطبع موضوع أنت عارف أنه ما حينشر».
الأستاذ الكبير خالد المالك نشر لي «كل شيء» تقريبًا بطريقة كادت تحرضني على قول المزيد دون أن أفطن إلى أن من يحبني.. ربما يكون له رأي آخر.. نتيجة الأضرار التي لا أريد أن اعترف بوجودها.
أما أفضل وأسوأ ما في الأمر.. فيعود لأنني رفضت أو أرفض أن أتعامل مع نفسي وما اكتبه على أنني كاتب «محترف للكتابة».. ولو أنني تعاملت مع نفسي على أنني كاتب محترف. لكنت كفيت «القارئ» شر كثير من الكتابات التي لا علاقة لها بالشأن العام ولا بهموم المجتمع.. ولما كنت مضيت في الكتابة عن حياتي التافهة ومشكلاتها الصغيرة التي لا تهم الناس.. وكثير مما كتبت كانت زوجتي تقرأه وتصرخ عليّ باستغراب وتقول: «كيف ينشروا لك هذا الكلام».. وتحجم عن قول الإضافة التي يجب أن تكون «يا قليل الحيا».. هذا طبعًا قبل أن يصل الأمر بهم جميعًا «أفراد أسرتي» إلى الإعلان وجهًا لوجه.. والقول كـ»دفعة أولى»:
- خلاص وقف كتابة في الجريدة.. أرجع أكتب إبداع وقصص إلى أن استقر الرأي على:
- أقول.. أصرف لك وأصرف لنا.. أنك تسيب الكلام الفاضي اللي امتحنتنا فيه طول عمرنا.. ترى ما جاتنا المشكلات والأذية إلا من كتاباتك.
قلت: «خلاص أوقف مع بداية السنة الهجرية الجديدة»
قالوا: «والله يا بويا أسمع كلامنا.. خير البر عاجلة»..؟!