د. حمزة السالم
الدراسات الاستشارية تدور حول ثلاثة أصناف تقريبًا. إما دراسات تقنية تجمع معلومات عن حالة في جانبها التقني التكنولوجي لا محل للجانب الإنساني فيها تقريبًا، كدراسات احتماليات وجود الآبار البترولية. وإما أن تكون دراسات وصفية تصف الحال الواقع، وهذه إن كانت في الجانب الإنساني كالتعليم فلا محل للأجنبي فيه. وأخيرًا دراسات إدارية تنبؤية كدراسات الجدوى والدراسات الاقتصادية. وهذه لا يزيد عملها عن الجمع واللصق والترتيب، لا تقديم حلول وفرص.
فالأصل في المكاتب الاستشارية أن تقوم بما يُسمى بالعمل الهامشي فليس من وظيفة الاستشاري تقديم الحلول، بل هي وظيفة الجهة التي استأجرت الاستشاري. فإنما يُستأجر الاستشاري لتوفير جهود الجهة فيكفيها الاستشاري عمليات تجميع المعلومات وتنسيقها ووضعها في ديكورات عرض مزخرفة.
إن المشكلة وحلها هي العقل السعودي. إن العقل السعودي بغض النظر عن مؤهلات صاحبه، عقل عاجز عن التفكير المنطقي والتحليل المستقل والتمييز المبرر بالأسباب.
هي العقول التي أرى الحل لها في الجامعات. وقد اقترحت سابقًا أن يتركز الجهد على برامج حقيقية، لتطوير واختبار عقول وعلم أساتذة الجامعات. فدكاترة الجامعات يخرجون استاذ المدرسة والإداري والمهندس. وأذكر أني كتبت ثلاثة مقالات في برنامج، كمثال على كثرة الحلول.
وكشاهد على رأيي هو ما انتشر عندنا من قول مشهور، قد قُلد من الغرب بلا وعي، يدعي بأن مخرجات الجامعة لا تناسب السوق. هذه المقولة دليل على الجهل العام. فهل كل ما في السوق إلا فضلة الجامعات. لكن الخريج والدكتور ومن يعمل في السوق جميعهم هم أبعد ما يكونون عن المناهج العلمية، ولهذا لم تتناسب مخرجات الجامعات مع السوق.
نريد جامعات تعلم الطلبة كيف يفكرون لا تلقنهم ماذا يفكرون. وقد وصلنا لدرجة أن حتى التلقين للعلوم لم تعُد جامعاتنا تقوم به. وأما حال أساتذة الجامعات، فحال ذو شجون مبكية مضحكة.
إن المستقبل يبدأ ببرنامج الاهتمام بالعقل السعودي، ومحل بدايته الطبيعية من الجامعات، لا من برامج التوظيف ولا من بناء مصانع مقلدة لا نعرف كيف نطور ما تصنعه.
وهل رأينا دولة صعدت لتنافس في حضارة المستقبل إلا بفكرها، وبرنامجها الخاص بها. سواء بعد قرون من الكفاح كأمريكا والغرب، أو بعد أن كفرت بحلول الأجنبي ككوريا ودول آسيا. وألم نر الدول التي ظلت مفتونة بالمستشار الأجنبي كأمريكا اللاتينية وغيرها لا تزال في مؤخرة الركب.
غياب العقل المهني مصيبة المصائب اليوم، وهو المعوق الحقيقي للتنمية. وهو كذلك سبب تسلط الأسواق الأجنبية علينا، وإرجاف الأجنبي علينا وعلى الخليج عمومًا، برجله وخيله وشياطينه ما جاء من فراغ. إنما جاء لغياب العقل المهني القادر على إغلاق منافذ التسلل التي يتسلل منها شياطين الإرجاف المالي الأجنبي.