سلمان بن محمد العُمري
الفشخرة والهياط كلمتان مترادفتان مع غيرهما من الكلمات ذات الدلالة عن حب الظهور والبروز ولفت النظر عند الآخرين وهو مرض نفسي أزلي ليس بالجديد ولكن وسائط التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة جعلت هذا الداء والمرض متفشياً، ونقلت لنا من الغثاء أشكالاً وألواناً وأنواعاً لهؤلاء المرضى النفسيين، فتجدهم يصورون كل ما هب ودب في حياتهم وأحياناً يلجاؤون لأفعال إنسانية (مزيفة) بغية الظهور والبروز واثبات الوجود حتى على جراح الآخرين، وملامح هؤلاء والسمة الغالبة فيهم الإسراف والبذخ والتبذير سواء لمن يملك المال أو لمن لا يملكه فهذا الداء عند الأغنياء والفقراء على حد سواء، وقد يرتبط حب الظهور ولفت الأنظار بمرحلة الشباب والمراهقة عند الشباب والفتيات ويعده علماء النفس طبيعياً، ولكن هناك من تستمر عندهم المراهقة والصبيانية حتى وهم يتخطون سن الشباب حينها يؤكد المختصون بأن بعض الشخصيات المريضة بحب الظهور يستمر لديها هذا المرض ويكون عندها الرغبة الجامحة في لفت انتباه الغير لدرجة يصاب صاحبها بحالة من الهوس بإظهار الكبر والاستعلاء وحب التسلط والإعجاب بالنفس والافتخار بها وحب الجاه والشهرة وحب المدح والرياء.
وقد يكون الهياط ذاتياً بالقول أو بالعمل كمن يمجد نفسه شعراً ونثراً وكأنه (ابن جلا وطلاع الثنايا) وأحياناً بالخروج على الثوابت والقفز على القيم ومخالفة الأعراف من أجل أن يذكر وكما قيل قديماً: (خالف تعرف)، وقد ذكرت قصص التراث عن الرجل الذي بال في بئر زمزم حتى يذكر اسمه عند العرب وما أكثر هذه العينات التي لا تتورع عن فعل القبيح حتى يردد الناس اسمه مقرونًا بقوله أو فعله المعيب.
ومن المهايطين من لا يكتفي بهياطه الذاتي بل يريد أن يهايط ويتفشخر على الناس وأمامهم فهو لا يكتفي الآن بتصوير نفسه وتصرفاته الصبيانية فلربما لجأ لمسابقات وحوافز مالية ليشغل الفقراء أو ضعاف النفوس بالبحث ونيل الجائزة وقد تكررت مثل هذه المواقف لدينا وفي بلد الجوار، ومنهم من لا نفع ولا شفع فتراه يصور فواتير طعامه مع أصحابه وقد تجاوزت عشرات الآلاف من اليورو في أوروبا، أو يقدم مقطعاً مرئياً مضحكاً حينما يقدم هديته لنفسه لأنه لم يجد من يهدي له شيئاً، ولم يقف حدود الهياط والفشخرة محلياً بل أصبح الهياط دولياً بنقل السيارات الفارهة بين جنيف ولندن وباريس والاستعراض و(التشخيص) بها حتى أصبحت هذه المناظر عند الغرب سمة لمهايطينا وأصحاب الفشخرة.
وأصحاب الفشخرة والهياط سعادتهم مؤقتة بل ربما سببت لهم بعض الاكتئاب نتيجة ردود الأفعال السلبية أو عدم تجاوب الناس مع فشخرتهم بالقدر الكافي الذي يؤملونه، فتراهم يطمحون للشهرة وأن يردد الناس أسماءهم وأخبارهم وتصرفاتهم الطائشة التي يرونها حميدة فإذا بهم ينقلبون لحالة من التوتر والاضطراب لأنهم لا يعيشون واقعاً حقيقياً مشبعاً بل كانوا يعيشون حالة من خداع النفس والزيف ومع أمر مخالف لكل فطرة سوية.
هؤلاء الذين يحاولون تعويض مركب النقص بلفت الأنظار لديهم، لا يقدم شيئاً مفيداً لا له ولا لمجتمعه وإن قدم اليسير فلأجل الفلاشات والتصوير وتوثيق العنتريات والكرم الحاتمي الزائف، بل إن بعضاً من المرضى والمصابين والمبتلين انهالت عليهم الوعود الكاذبة من أصحاب الفلاشات وحينما أصبح الصبح فإذا هي كالأحلام أو سراب بقيعة فالمهايطية سجلوا حضورهم في تويتر والسناب وهربوا على أرض الواقع.
خاتمة:
عن أبى برزة الأسلمى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه)).