د. خيرية السقاف
لم تعد الآراء الشخصية المبنية على قرائنها، وأدلتها، وشواهدها الخاصة، تؤدي إلى الحقيقة محور الهدف، أو توصل للهدف مدار القرار..
كما لم تعد العديد من أدوات البحث بفاعلية ما كانت عليه للوصول إلى تلك الحقيقة بنتائجها،
فبمثل ما تطورت الأساليب والأدوات، وبمثل ما اتسعت المعلومات والتفاصيل، فإن هناك معرفة ذات دقائق تتطلب الاستفادة من تقنية الوصول إلى الكم الكبير من التفاصيل عن الحقيقة ينبغي استلهامها..
ففي مؤسسة التعليم بشرائحها العديدة، ومهامها الكثيرة، وأدوارها المتراكمة والمتداخلة هناك عمل دؤوب على مدى مراحل من تاريخها تنوف عن منتصف قرن، وتزيد، كان لها من الحصاد أجيال يعتد بخبراتهم المعرفية، والفكرية، والقيادية، والعلمية، بمثل ما هو عنها من الشرائح «الببغاوية» التي تكرر ما تتلقى وهي التي بعد آخر ورقة في الاختبار يتبخر مُخزونه..
ما السر وراء تفاوت مستوى التحصل، ونتائج المردود العام؟
أهو النوعية، والأدائية، والإمكانية؟، بمكوناتها المادية والبشرية والمعرفية، وتفاصيلها الدقيقة تشمل المنهج الدراسي، والإداري، والفني، بمشروعاته البنائية والتطويرية، بعناصره المختلفة ذات الالتقاءات والارتباطات، التعليمي فيها من موضوعه بدءًا بأهدافه، ومحتواه، لأنشطته، ووسائله، لحيِّز تنفيذه الزمني، والمكاني، لطرائق تدريسه، وعناصر تنفيذها البشرية، بخصائصهم وسماتهم، تأهيلهم، ومهنيَّـتهم، وأساليبهم، بمعرفتهم، واختصاصهم، بسلوكهم التعاملي، وأخلاقهم المهنية، فالإداري فيها بكل بمختلف مستوياتهم المهنية والتأهيلية، وقدراتهم الإشرافية، والقيادية، وتنوع خبراتهم التنفيذية، فالإمكانات المهيأة له فيها من موقع الأداء، لأداة التجريب، والتدريب، ومقعد الجلوس، وشاشة العرض، وقلم الكتابة، وورقة الدفتر، وساحة اللعب، ومكان الطعام، والاستراحة، وبوابة الخروج والولوج..؟!
نعم، ما السر الباعث لهذا الامتعاض العام من مؤسسة التعليم؟
هل هي معًا هذه المكوِّنات؟، أو هو أحدها، أو هو بعض من كل مكوِّن فيها؟..
مع أن الجميع يدري بأن العملية التعليمية شعب تتداخل كالأعراش في الحقول، والأعشاب في المروج، والماء في النهر والبحر، والهواء في الفضاء، فكما هناك الأخضر هناك اليابس، وكما هناك المثمر هناك العقيم، وكما هناك العذب هناك الأجاج..
فالمريد أن تعم خضرة الحقول والمروج، وتثمر الشجر، وتدر الجداول العذبة يسعى للفصل بين النقيضين، ويُبقي على ما لحقه شيء من الجفاف، والعجاج، والأجاج ليُمدَ بالعذب، ويمكَّن من الهواء النقي ليضاف للجذور الطيبة، ويسقى بماء تعيد رونقه وخضرته..
هو هذا حال مؤسسة التعليم، حقولاً، ومروجًا تحتاج لتعضيد أشجارها الخضراء الوارفة، وإمداد المضمحلة بالرواء، وتنقيتها من التي كستها الصفرة، وجففها الإهمال في عمومها من عتبة باب، ومنصة درس، وخطة درس، لشهقة معلم، وإداري، وبوَّاب!!..
وإلا فإنها هي المؤسسة التي كانت محضنًا لجلّ قيادات الوطن، ومبدعيه، وإعلامييه، ومثقفيه، ومؤرخيه، وهي التي ستبقى نبضة ضمير في صدورنا جميعنا..
إنها هي مؤسسة التعليم هذه مدار الحلم بأن تعطي ما يواكب حداثة المُنجزات في مجالها بما يواكب العصر، والحركة الدؤوبة فيه للتطور والتحديث، بحيث تصبح البوتقة لصهر الطاقات، وتمكين القدرات، ورفع نسبة عدد الكفاءات من المهرة بمثل هؤلاء الذين يشاركون في برامج المواهب العالمية ويحصدون الثمار، فهم نتاجها، وهو النتاج المرجو، والمأمول فيها..
ونماذج مؤسسات التعليم الفائقة مثمرة الحصاد كاليابان مجال اقتداء..