د.خالد بن صالح المنيف
هل نتجاهلُهم ونتعاملُ كقطع الأثاث؛ فنمرَّ بهم دون توقُّف ودون اكتراث؟
وهذا فعلٌ جميلٌ ورأيٌ وجيهٌ، إلا أنَّ قِطع الأثاث لا تسير إلينا بسوء ولا تمشي نحونا بمكروه، كما أنها لا تمشي إلينا بجميل! أمَّا هؤلاء فيمشون نحونا ولكن بالقبيح والأذى!
لا تتعجب، ولا تبتئس إن ابتُليتَ بهؤلاء الأشرار الذين يقترفونَ من الآثام في حقِّ البشر ما لا يقترفُه شيطانٌ رجيمٌ! فلا تعطِهم أكبرَ من قدرهم ولا تتفاعل مع طرحِهم، ولا يطيش صوابُك، وعُدّ هذا الأمرَ من لوازم الحياة، ومن متطلبات النجاح!
فلا يوهنوا لك قوةً، ولا يفُتُّوا لك في عضد؛ فوجود هؤلاء في حياتك شهادةُ عدل على تفوُّقكَ وتميُّزكَ؛ فأشكر اللهَ على وجودهم لأنَّ مَن لا يملك خصومًا إمّا إنسانًا ميتًا أو إنسانًا لم يولد بعد!
فإن كان المؤذي ممَّن لا تعرفه مِن الذين يتخفُّون خلف الشاشاتِ فلا تتابعْهم، ولا تتقصَّ أخبارَهم أو أقوالهم؛ فوقتُكَ أثمن من إضاعته على هؤلاء الصِّغار! وهؤلاء علاجُهم أنْ تدَع الغيظ يمزِّقُهم، دعْهم يموتون كمدًا، لا تلتفِت لهم واتركهم يحرقونَ أنفسَهم بأنفسِهم، فالمكر السيئ لا يحيقُ إلا بأهله، وادعُ اللهَ أنْ يكفيكَ إيَّاه بما شاء، وإنْ آذاكَ شخصٌ أحمقُ لا يملك شيئًا يخسره فتجنَّبْه. والعربُ تقول: «لن تبلغ في الأحمق ما بلغَه في نفسِه! فقد كفاكَ نفسَه»!
وإنْ كان المؤذي ساهيًا ناسيًا، أو مُنفعِلاً غير مكرِّر فحقُّه العفوُ والتسامحُ، أو كان صاحب فضلٍ وذا أيادٍ بيضاء فلعلَّ خيرَه يشفع لزللـه.
وإنْ كان المؤذي قريبًا أو زميلاً أو جارًا شخصًا تعرفه وتقابله؛ فعليكَ أولاً أنْ تدفعَ شرَّه بالحسنة وبالكلمة الطيبة؛ لعلَّها تكفُّ شرَّه وتُوقِف أذاه! وإنْ لم ينتفع فلا بدّ أنْ تعلِّق أمامه سوطًا وأن تريه سيفًا في الغمد! وإنْ لم يؤثِّر فيه فما حيلة المضطر إلا ركوبها، فلْتملِك الشجاعةَ والقوة على إزالة الشوك كي لا يُدميكَ، وسَحْقِ الأفعى كي لا تؤذيكَ!
فالبعضُ يحتاج لمخلب أسد ولنفثة ثعبان ولحدِّ سيف، ولا بد من أنْ تُريَه ما يكره دون أنْ تظلمه؛ بتهديد ووعيد، أو بتلويح بهجر، أو حتى بمقاضاته قانونيًّا!
فلكلِّ حالة لبوسُها، ولكلِّ مشهد ردَّة فعل.
وكنتُ جليس قعقاع بن شور
ولا يشقى بقعقاع جليسُ
ضحوك السنِّ إنْ نطقوا بخير
وعند الشرِّ مطراق عبوسُ
فالمؤمن القويُّ خيرٌ عند الله من المؤمن الضعيف، والحبيبُ صاحبُ القلب الرحيم- اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه- عندما تجاوز كفارُ قريش الحدَّ في الأذى مضى إليهم وقال «جئتُكم بالذَّبح!»؛ فارتعَدوا وخافوا وقد اقتصَّ من العرنيين عندما آذوا الرعاةَ بسَمْل عيونِهم -والسَّملُ هو الفقأ بالمسامير- وألقاهم في الحرَّة يستسقونَ فلا يُسقَونَ، على وجه القصاص والعقوبة بالمثل، لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة. وذكر ابنُ كثير في البداية والنهاية: أنه كان في الأسارى يوم بدر أبو عزة الجمحيُّ؛ فمنَّ عليه رسولُ الله بلا فدية، واشترط عليه أنْ لا يقاتِلَه، فلما أُسِرَ يوم أُحُد قال: يا محمدُ، امنُن عليَّ لبناتي، وأُعاهِد أنْ لا أقاتلَكَ»، فقال رسول الله: «والله لا أدعَكَ تمسَح عارضيْك بمكة وتقول: خدعتُ محمدًا مرتيْن» ثم أمرَ به فضُرِبَت عنقُه!
ولكن احذر أنْ تجعل الأشرار يظفرون بكَ، وكن أقوى وأصلب، وأرجوكَ! ألا تدعهم يستدرجونكَ لساحتِهم القذرة، ويغرونكَ بالانضمام لعصابتِهم!
وأحمد الله على أن جعلَكَ طاهرَ القلب نقيَّ الروح. وإذا ما ألجأكَ شرُّ هؤلاء لصدِّه فصُدّ بأخلاقِكَ لا بأخلاقهم! وثِق أنَّ هذا الشرير شبيه العقرب سيهلَكُ كما تهلكُ العقاربُ؛ إمَّا دهسًا أو سحقًا أو ضربًا؛ فلكلِّ أجل كتابٌ، ولكلِّ مُؤذٍ شريرٍ يومٌ!
ومضة قلم
كانت تُصلِّي وتصوم ولكنها آذَتْ هِرَّة بحبسِها حتى ماتت؛ فدخلَت النَّار!
ما بالكم بمَن يؤذي البشر؟