فيصل خالد الخديدي
الواقع والطبيعة والبيئة المحيطة ظلت ولازالت ملهمة لكثير من الفنانين عبر تاريخ الفنون، بل إنها في فترة من عمر الفن كانت المعيار الرئيس الذي يحكم عليه بمدى قدرة الفنان وجاهزيته الفنية وإبداعه، فمحاكاة ظاهر الطبيعة والواقع حتى جوهرها اتجاه قديم قدم الإنسان وكثير من علماء الجمال وفلاسفة الفن ربط الجمال بالواقع فمن (روسو) وتقديره للطبيعة وتمجيدها إلى (رسكن) الذي كان يرى أن الفن الكامل الحقيقي الذي يعكس وجه الطبيعة الكلي، ويذهب (ديلاكروا) إلى أبعد من ذلك حيث يرى (أن الطبيعة معجم يرجع إليه الفنان حينما يعوز المعرفة الفنية... بل أن الطبيعة هي التي نستفتيها الرأي في اللون الصحيح والتفاصيل الدقيقة).. وحتى الفنون الحديثة عادت للواقعية والطبيعة بصيغ أكثر عمقاً وتفصيلاً فالواقعية المفرطة (الهايبر رياليزم) عادت للواقع بتفاصيل تضاهي دقة الكاميرات.
أما واقعية الفنان السعودي عبدالله الدهري فهي واقعية عانقت الدهشة في طرحها وانغمست في البيئة بصدقها وصنعت الإبداع في تقنياتها، فالدهري مسكون بهدوء مدينته الباحة الحالمة التي تعانق السحاب وتعيش معظم أوقاتها في الضباب فتأثر بها وأثر ذلك على أعماله وارتفع مستوى صدقها, فمنح شخوصه سكينة من روحه, وطمأنينة من شخصيته الساكنة, ودهشة من تمكنه وشدة اتقانه لتقنياته، إن موضوعات الدهري يستقيها من الموجودات حوله ومن ملامح وجوه صافحها بإتقان عينه، وشدة تمكن تقنيته، وبرز تميزه وشخصيته الفنية في أعماله والتي قدمها في معرضين شخصية والعديد من المشاركات الجماعية المتنوعة جمعت بين الطبيعة الصامتة والبورتيرهات والالتقاطات الجمالية والمهمشة من الطبيعة، وتحويلها إلى قطع من جمال يستعرضها في كثير من الأعمال الكاملة على هيئة اعمال زيتية وأسكتشات حبيسة مرسمه تستحق الظهور بشكل يليق بها وبفنه.
إن شخصية الفنان عبدالله الدهري الساكنة والشفافة انعكست على أعماله وعلى انتشارها فقدراته الفنية فائقة وحساسيته للجمال عالية وثقافته الفنية تدعم جمال أعماله وتسعى لتطويرها وفق المتاح والممكن في ظل مايمتلكه من قدرات متمكنة، وهو ما ينتظر من فنان متمكن بواقعية ومتطلع لأفق أوسع يتجاوز به سكون الباحة وهدأتها إلى مساحة أوسع من إبداع مستحق لهذا الفنان المبدع.