م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
حين غزا أبرهة الحبشي مكة لهدم بيت الله الحرام قادمًا من اليمن التي استولى عليها، وبنى فيها كنيسة (القليس)، صار مصير أبرهة وجيشه الفناء المخزي بحجارة من سجيل، أرسلها الله سبحانه وتعالى على هذا الجيش هائل العدد بطير أبابيل، قصفتهم قصفًا لا يُبقي ولا يذر أمام أعين أهل مكة، وعلى مشارفها، وجعل الله كيد أبرهة وفيله في تضليل، وجعلهم عبرة لكل من يريد غزو بيت الله الحرام أو التعدي عليه.
واليوم يعيد التاريخ نفسه؛ فمن مكان أبرهة نفسه تنطلق صواريخ الحثالة القذرة من أذناب الفرس والمجوس صوب بيت الله الحرام، تريد هدمه كما أراد أبرهة المحتل لليمن هدم الكعبة قبل بزوغ الإسلام. وكما قيّض الله طيرًا أبابيل، ترمي جيش أبرهة بحجارة من سجيل، فقد قيض الله جيشًا مؤمنًا، يحمل راية التوحيد، هو الجيش السعودي البطل بقيادة ملك الحزم والإيمان سلمان بن عبدالعزيز؛ ليذود عن بيته الحرام وعن قِبلة المسلمين أن تطولها نار المجوس عبر الصواريخ التي تُطلق على بلادنا مستهدفة قِبلة المسلمين مكة المكرمة. ومن المعجزات أن صد الله كل هذه الصواريخ، ولم تصب بلاد الحرمين ولا قِبلة المسلمين بسوء؛ فهي كالطير الأبابيل التي قصفت جيش أبرهة ودمرته عن بكرة أبيه، وصد الله هذه الصواريخ بقدرته، وأصابت صواريخ الحق صواريخ الغدر المجوسية بالتدمير الكامل، ومنها الصاروخ الذي استهدف مكة المكرمة وسقط في الطائف (مسار أبرهة نفسه)، تمامًا كفيل أبرهة الذي استخدمه كوسيلة لغزو بيت الله الحرام، فصده الله. وها هم المجوس يحاولون إيصال نيران حقدهم المجوسي لمكة المكرمة، ولكن الله خيب أحلامهم بملك حازم، جعل لقبه خادم الحرمين، وهو حارسهما الأمين؛ فقام بالمهمة خير قيام، وهب هبة المؤمن، يدافع عن بيت الله الحرام بحزم وعزم أذهلا المجوس في قم، وأحرق العمائم السود التي تريد خرابًا لبيت الله الحرام، وانطفأت نار المجوس مرة أخرى!!
وفي اليوم الذي وُلد فيه رسول الهدى محمد - صلوات الله وسلامه عليه - انطفأت نار المجوس في بلاد فارس، فكان هذا إيذانًا ببدء نور التوحيد والإسلام في هذه البلاد التي عاشت ردحًا من الزمن لا تعرف إلا الشرك وعبادة النار.. وحين تولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خلافة المسلمين عزم على إكمال وصول نور التوحيد إلى هذه البلاد، فكانت معركة القادسية ومعركة نهاوند التي انطفأت بعدها نار المجوس كليًّا، وعاد الناس إلى التوحيد الخالص لله بعد انهيار الطاغوت المجوسي الفارسي الذي أذل الناس وأهانهم ومسخ كرامتهم وأجبرهم على عبادته وعبادة ناره، فجاء نور الإسلام الذي بزغ من جزيرة العرب؛ ليعيد للإنسان كرامته وعزته، ويربطه مع خالقه؛ ليوحده وحده، ويقضي على طغيان البشر على البشر.
وفي العصور الوسطى بدأت بقايا الفرس والمجوس تحن إلى هذا الجبروت والطغيان، وتتمنى الانتقام من المسلمين الذين أعادوا للناس كرامتهم وعزتهم، فبدأت تتمسح بمسوح الدين، وتخدع السذج والبسطاء بحب آل البيت، وهذا ما يحدث حاليًا من قِبل الأخطبوط الإيراني الفارسي الذي يخدع الناس والبسطاء، ويغريهم بالمال للدخول في هذا النفق الشركي المجوسي الذي يعتمد على هدم دعائم الإسلام والتشكيك فيه، وما ذلك إلا بهدف القضاء على الإسلام وعودة الطغيان الفارسي وعبودية الناس له، وهذا ما حدث عند تأسيس حركة الحوثيين في اليمن، الذين كشروا عن أنيابهم الصفوية المجوسية الفارسية الحاقدة، فعاثوا في بلاد اليمن السعيد فسادًا، وهدموا المساجد ودور القرآن تقربًا إلى آلهتهم في طهران!!
وبدؤوا بالزعيق والصراخ والتهديد بغزو مكة والمدينة، والوصول إلى الركن اليماني، وإعادة سيرة القرامطة الذين ذبحوا المسلمين الطائفين الراكعين في بيت الله. ولكن الله حامٍ بيته، ومقيض عباده لحمايته؛ فقيض الله ملكًا من جزيرة العرب، هو الملك سلمان؛ ليهب هبة المؤمن القوي العازم الحازم؛ ليقف في وجه هذا الطاغوت المجوسي.. وأجره وأجر جنده عند الله في الآخرة. وسيذكر التاريخ ما قام به هذا الملك البطل في الوقوف بوجه هذا المد الفارسي المجوسي. جاء هذا الملك ليقول كفى لهذا الطغيان، كفي لهذا الظلم المجوسي الذي أهلك الحرث والنسل في العراق وفي سوريا، وأتى على اليمن.. سيذكر التاريخ أن هذا الملك هو مطفئ نار المجوس في اليمن.
وهبة الملك سلمان بعاصفة الحزم تذكرني بقصيدة لشاعر العرب أبي الطيب المتنبي، فكأن التاريخ يعيد نفسه.. ويكرر أيامه وأحداثه العظام:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
ويقول أبو الطيب في قصيدته أيضًا:
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم!!
ويقول أيضًا:
ولست مليكًا هازمًا لنظيره
ولكنك التوحيد للشرك هازم!!
فما أشبه اليوم بالأمس، والليلة بالبارحة؛ فجند سلمان وجند التوحيد يدكون معاقل هؤلاء الأوباش الأنجاس الذين آذوا عباد الله المؤمنين، وهدموا مساجده، وقتلوهم، وشردوهم عبادة للطاغوت الشركي المجوسي.
ويقول أبو الطيب أيضًا في قصيدته:
تشرف عدنان به لا ربيعة
وتفخر الدنيا به لا العواصم
على كل طيار إليها برجله
إذا وقعت في مسمعيه الغماغم
أقول: على كل طيار بطائرته يدك معاقل الطغيان والظلم والجهل الذي يريد أن يعيد اليمن إلى زمن الجاهلية.
ويختم أبو الطيب قصيدته الرائعة:
ألا أيها السيف الذي ليس مغمدا
ولا فيه مرتاب لا منه عاصم
هنيئًا لضرب الهام والمجد والعلا
وراجيك الإسلام أنك سالم
وأقول ختامًا: هنيئًا لسلمان هذا المجد والتضامن العارم معه ومع بلد التوحيد، هذا التضامن الإسلامي الجارف، الذي أرعب فراخ المجوس وأذنابهم، ورسم علامات الخيبة والخذلان على وجوههم لسقوط مخططاتهم وألاعيبهم.
وليس للمسلمين والعرب إلا الاصطفاف خلف سلمان في دفاعه عن قِبلة المسلمين ضد نار المجوس التي تحاول الوصول لها بكل ما تملك!!
الجيش السعودي البطل الذي يتصدى ببطولة نادرة لهذه الحثالة الغادرة التي عاثت في الأرض فسادًا يجب مساندته بالدعاء له بالعز والتمكين، وأن يرحم الله من استُشهد من أفراده دفاعًا عن بيت الله الحرام وعنا ونحن هانئون، ننعم بالأمن.. حفظ الله بيته ومسجد نبيه وبلاد الحرمين، ورد الله كيد أعداء الملة في نحورهم، لم ينالوا خيرًا، بل الهوان والعار ولعنة التاريخ.