م. خالد إبراهيم الحجي
إن الحج حدث عظيم يضع قدرات وكفاءات وتجارب وخبرات القائمين على إدارته وخدمة ضيوف الرحمن على المحك الحقيقي في اختبار موسمي، ومن الطبيعي جداً أن يصيب القلق القائمين على خدمة الحجيج وإدارة مناسك الحج قبل بداية الحج؛ لذلك فإن المسؤولية تقع بالكامل على المنظومة الحكومية المتكاملة والمترابطة والمكونة من: قوات الأمن من مختلف القطاعات العسكرية والدفاع المدني، والإدارات الصحية والمدنية والمؤسسات الدينية، والإعلام بجميع وسائله والمتطوعين، وهذه المنظومة المتكاملة والمترابطة هي المسؤولة عن تحقيق أقصى درجات النجاح في الحج، والقائمون عليها دائماً يأخذون أقصى درجات الاستعداد والتأهب لهذا الموسم قبل بدايته.
وقد ظهر واضحاً وجلياً الاستعداد الاستثنائي لموسم حج هذا العام في مستوى الطموح عندهم الذي لم يسكن عند معدلٍ ثابتٍ أو مستوى واحدٍ، ولم يقف عند حدٍ معينٍ للقيام بواجبات هذه المناسبة العظيمة، وإنما كان طموحاً لا سقف له. فبدؤوا موسم الحج وعندهم رغبة شديدة لأداء واجباتهم على أكمل وجه، وثقة كبيرة بقدراتهم المتعددة وكفاءاتهم المهنية المختلفة، وطموح راسخ لتحقيق النجاحات المنتظرة التي توقعتها القيادة الحكيمة منهم. وهذا الطموح الراسخ كان حافزاً قويًّا لدفع القائمين على الحج لبذل مزيدٍ من الجهد والعطاء، ولكن بالتأكيد ومع ذلك لم يصلوا إلى رضا النفس الذي لا يُدرك؛ لأن الكمال لله وحده.
ومن خلال ما شاهدناه ولمسناه في مواسم الحج السابقة يدرك العاقل ويعلم المنصف حقيقة ما يتطلبه الحج من جهود كبيرة، ويقر ويعترف بأن إدارة المناسك المقدسة وخدمة ملايين الحجاج الذين يحضرون إليها للقيام بمناسك الحج في أيام معدودات أصعب بكثير جداً من الروتين اليومي لإدارة التجمعات والحشود الأخرى، مالم يكن هذا الإنسان صاحب هوى مغرض، أو خصيم فاجر.. والحج سلسلة من العمليات المتتالية والمترابطة والمعقدة تتم في فترة وجيزة، تبدأ باستقبال الحجيج عبر منافذ المملكة العديدة، وانتقالهم إلى مكة للطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، ووقوفهم بعرفة ونفرتهم إلى مزدلفة ورمي جمرة العقبة الكبرى، وطواف الإفاضة والمبيت في منى لرمي الجمرات، ونحرهم لملايين الأضاحي والهدي والأفدية، وأداء طواف الوداع آخر عهدهم بالبيت، فمنهم من يذهب إلى المدينة المنورة للزيارة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يغادر مباشرة إلى وجهته ووطنه. ونجاح إدارة وخدمة حشود الحج المليونية يعتمد على عاملين يكمَّل كل منهما الآخر وهما:
الأول: الكفاءات البشرية: المتمثلة في الرجال الأوفياء في المنظومة الحكومية المتكاملة والمترابطة الذين عهدت إليهم حكومة المملكة العربية السعودية إدارة وخدمة حشود الحج المليونية، فعملوا جميعاً جنباً إلى جنب بروح الفريق الواحد وبجاهزية دائمة واستنفار كامل.
الثاني: التخطيط الجيد لتأسيس البنية التحتية للمشاعر المقدسة: الذي استغرق سنوات عديدة، أبتداءً من التوسِعات المتتابعة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة لاستيعاب أكبر قدر ممكن من ضيوف الرحمن أثناء أداء مناسك الحج والعمرة، وبناء شبكة الطرق والأنفاق والجسور والقطارات لتنقلات الحجاج بسلاسة وانسيابية بين المشاعر المقدسة، والاستفادة من الخبرات والتجارب المتراكمة من مواسم الحج السابقة وخير مثال على ذلك التصميم العبقري لمبنى جسر الجمرات الضخم، فأصبحت حشود الحج المليونية تستطيع القيام بعملية الرمي للجمرات الثلاث وهي تتحرك في اتجاه واحد من بداية الرمي إلى نهايته. وتعد الحركة والسير في الاتجاه الواحد من أهم المتطلبات الرئيسية لسلامة حشود الحج المليونية، وكي نتصور ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتق المنظومة الحكومية المتكاملة والمترابطة لإدارة وخدمة حشود الحج المليونية يجب أن نتذكر دائماً أننا نتكلم عن ملايين البشر رجالاً ونساءً من جنسيات مختلفة، ويتكلمون بلغات كثيرة، ويتحركون في وقتٍ واحدٍ. والمتابعون لحركة الحجاج من المراسلين والصحفيين والمشاهدين على القنوات الفضائية رصدوا النجاح المبهر لحج هذا العام الذي بدأ بخطة محكمة، ومتقنة وشاملة تم تنفيذها بحذافيرها وتفاصيلها؛ فوضعت المنظومة الحكومية المتكاملة والمترابطة تحت ضغوط شديدة لتقديم نتائج تامة وصلت إلى حد الكمال يُشكرون عليها كل الشكر، وحققت التطلعات والتوقعات لخادم الحرمين الشريفين الذي قال في كلمته في حفل الاستقبال السنوي لكبار الشخصيات في منى "شرف الله هذه البلاد وأهلها بخدمة الحرمين الشريفين".
الخلاصة:
إن نجاح حج هذا العام أشرف وسام