فضل بن سعد البوعينين
لم تتوقف منظومة قطر الإعلامية عن توجيه برامجها وأخبارها ضد السعودية والتشكيك بجهودها؛ ومحاولة تجييش الشارع العربي والإسلامي وحمله على معاداتها والانتقاص مما تقدمه من خدمات جليلة لضيوف الرحمن. بدأت حملاتها الموجهة بملف الحجاج القطريين؛ وعدم تمكينهم من الحج على خلفية منع الخطوط القطرية من دخول الأجواء السعودية.
سقطت حججها الواهية بالإعلان عن استضافة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للحجاج القطريين وتوفير طائرات خاصة لنقلهم وفتح الحدود لعبور القادمين عن طريق البر. راهنت الحكومة القطرية على رفض القطريين أداء مناسك الحج؛ متسلحة ببرامج الترهيب الدرامية ورسائل الكراهية والحقد التي بثها الإعلام القطري؛ فخسرت بعد أن سارع ما يقرب من 1564 حاجاً لاقتناص فرصة الحج؛ وأداء الفريضة؛ متجاهلين ما صدر عن حكومتهم؛ ومتوكلين على الله واثقين بالحكومة السعودية التي وعدتهم فأوفت؛ تقربا لله سبحانه وتعالى.
وبالمقارنة، نجد أن مجمل حجاج قطر العام الماضي؛ بما فيهم الوافدون من حملة الإقامة القطرية؛ بلغ 1210 حاج؛ ما أثار حفيظة الحكومة القطرية التي وجهت منظومتها الإعلامية للتشكيك بوصول القطريين؛ وادعت عدم تواجد أي حاج قطري لهذا العام؛ وهو ما فندته وسائل الإعلام العالمية والمحلية بنقل مشاهد مباشرة للحجاج القطريين ونقل مشاعرهم عبر الفضائيات.
استمر الإعلام القطري في ترسيخ فرية إحجام القطريين عن الحج؛ ونشرت صحيفة الشرق القطرية؛ وعلى صفحتها الأولى؛ خبراً عنونته بـ»السعودية تتكبد خسائر كبيرة بعد غياب الحجاج القطريين»؛ وبخلاف الكذب والتدليس ومخالفة الواقع؛ لم أجد أثراً يمكن أن يتركه ما يقرب من 1200 حاج مقارنة بمجمل الحجاج البالغ عددهم 2.3 مليون أتوا من غالبية دول العالم. وفي تناقض صارخ؛ وتضارب بين المنظومة الإعلامية والحكومة؛ طالب وزير الخارجية القطري السعودية بتأمين سلامة الحجاج القطريين؛ وهو تأكيد لوجودهم الذي قاتلوا من أجل نفيه خلال موسم الحج الحالي.
لم تترك قناة الجزيرة شاردة ولا واردة في الحج إلا صنعت منها قصة سلبية للنيل من السعودية؛ متجاهلة حرمة الحج؛ وأهميته لجميع المسلمين وليس السعودية فحسب؛ بل وصل الأمر بسفهائها للاستهزاء بحشود الحجاج الذين يباهي الله بهم ملائكته في السماء، في وقت عظمت فيه قنوات أجنبية شعائر الحج ونقلته بحيادية ووصف جميل غير مسبوق. ثم تناولت خطبة عرفة وحاولت أن تشكك في الدعاء لولي الأمر؛ فتفاجأت بتأييد من استضافتهم من العلماء لما قاله معالي الشيخ سعد الشثري؛ ووجوب الدعوة لولاة الأمر عامة؛ ولخادم الحرمين الشريفين خاصة الذي جعل من خدمة الحجاج والاعتناء بالحرمين الشريفين وتوسعتهما وتهيئتهما لاحتضان أكبر عدد من المسلمين من أهم أولوياته؛ وأولويات دولته.
لم تيأس منظومة الإعلام القطري من مواصلة حملاتها؛ برغم الصفعات التي تلقاها بعض مذيعيها على الهواء مباشرة؛ وفتحت ملف العوائد المالية المتأتية من الحجاج؛ ودورها في الاقتصاد؛ وإن ما تقوم به المملكة ما هو إلا استثمار لتحقيق العوائد المالية. غاب عن مخيلة حكومة قطر ومن خلفها المنظومة الإعلامية البائسة أن النفقات الحكومية السنوية على مواسم الحج تفوق بأضعاف مضاعفة ما ينفقه الحجاج والعوائد المالية التي تعود مباشرة على شركات الخارج المعنية بالحجاج؛ قبل الداخل؛ وأن تكاليف توسعة الحرمين الشريفين منذ بدايتها وحتى اليوم شارفت على تريليون ريال؛ وهي نفقات لا يمكن مقارنتها بعوائد القطاع التجاري من الحج.
جعلت المملكة عمارة المسجد الحرام في مقدمة أولوياتها التنموية، والتزاماتها المالية. تعرضت المملكة في حقبة الثمانينات والتسعينات الميلادية إلى أزمات مالية اثرت سلبا في خطط التنمية وحجم مشروعات البنى التحتية، إلا أنها لم تؤثر في الإنفاق على مشروعات الحرمين الشريفين. يتخذ المستثمرون قراراتهم الاستثمارية بناء على العائد المتوقع، وهو مالا تبحث عنه القيادة السعودية التي تنفق مئات المليارات لتطوير الحرمين الشريفين وتهيئتهما، طمعاً في المثوبة والأجر من رب العالمين.
تختلف فلسفة الاستثمار في مشروعات الحرمين الشريفين في مضامينها عن فلسفة الاستثمار القائمة على الربح والخسارة؛ فمن حيث العائد على الاستثمار نجد أن مشروعات الحرمين تركز على المنفعة التي يحصل عليها الحجاج والمعتمرون، لا العوائد المالية المتوقع دخولها خزانة الدولة؛ والتي يستعاض عنها بالبركة والمثوبة من الله.
فمشروعات الحرمين موجهة لخدمة الإسلام والمسلمين، وكل مشروع فيها على علاقة بحجاج بيت الله القادمين من أصقاع المعمورة. كل ريال ينفق في بيت الله الحرام، والمناطق المحيطة، مضمون العائد في الدنيا والآخرة، بل إن عوائده تفوق في أدناها مجمل عوائد الكون الدنيوية؛ وأحسب أن ما تشهده المملكة من بركة ونماء ربما كان على علاقة بإنفاقها السخي على مشروعات الحرمين الشريفين.