ياسر صالح البهيجان
ظاهرة التبرع بالهللات المتبقية من فاتورة شراء الزبائن في معظم الأسواق التجارية الكبرى بالمملكة، تطرح سؤالاً حول مشروعيّة ذلك السلوك، وهل حقًا تذهب المبالغ المرصودة سنويًا، والتي تقدر بملايين الريالات عندما تتجمّع، إلى الجمعيات الخيرية والأسر المستحقة للتبرع والمساندة؟.
وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك مطالبتان بالتأكد من مدى نظامية هذه الخطوة، لتفادي استغلال السكّان تحت مظلة دعم المشروعات الخيرية، لكيلا تتعاظم ثروات التجّار بوساطة استغفال المستهلكين، وأيضًا لمعرفة أين تذهب تلك الأموال وكيف تُصرف، وبناء على نتائج الاستقصاء والتحرّي توضع ضوابط تنظيمية لمثل هذه التبرعات لكيلا تسير بطرق عشوائية دون أن تُوجّه التوجيه الصحيح نحو من يستحقون الدعم.
معظم المحال التجارية تضيف على قيمة منتجاتها 0.95 هللة، على الرغم من أن الهللات ما بين الريال ونصف الريال ليست متوفرة كعملة مستقلة، ولا يمكن للمستهلك أو البائع توفيرها، ولا توجد أيضًا منتجات قابلة للبيع بهذه القيمة، لذا فإن هذا السلوك غير قابل للتفسير، وهو أشبه بطريقة إجبار على التبرع، إذ لا يكون أمام المشتري خيارًا آخر غير ذلك، أي أننا أمام حالة إكراه للمستفيد تتطلب تدخل الجهات المعنية لحفظ حقوقه، وإلزام الأسواق بوضع أسعار تتناسب مع العملات المتوفرة، لتبقى العلاقة بين البائع والمشتري اختيارية وهو جزءٌ من أركان البيع المشروع سواءً من المنظور الشرعي أو الأخلاقي.
كما أن الإعلان بأن الأموال المتبرع بها ستذهب إلى الجمعيات الخيرية لا يكفي، فالوقائع التاريخية أماطت اللثام عن محاولات خداع كبرى كان ضحيتها المواطن، سواءً في المساهمات العقارية أو المشروعات الوهمية أو التبرعات مجهولة الوجهة، وكل ذلك جرى تحت ستار العمل الخيري، ومن الضروري أن نستفيد من تلك الدروس، بفرض رقابة أكبر للحفاظ على سمعة الجمعيات الخيرية من العبث والاستغلال، ولكي تبقى ثقة المواطنين بها قائمة، وكذلك لنقطع الطريق على من يحاول استغلال عواطف الناس لمصالحه الشخصية أو أهدافه غير النزيهة.
وأعتقد أن توحيد قنوات التبرع وحصرها في جهات رسمية محددة هو الحل الأمثل لضمان وصول التبرعات إلى مستحقيها، ومنع أي نشاط لجمع الأموال خارج نطاق تلك الجهات سواءً من أسواق تجارية أو منشآت تعليمية أو مساجد أو غيرها، خصوصًا أن الأموال قد تتجه إلى فئات مجهولة قد تهدد أمن الوطن، لذا فالمسألة تتجاوز كونها غشًا وتحايلاً إلى إشكالية أمنية لا يمكن التعاطف معها.