د. فوزية البكر
بقدر ما نتمنى أن يوفق الله بناتنا بزواج متوازن تبني فيه الواحدة عش الزوجية بقدر ما يبدو الأمر اليوم مخيفًا ومقلقًا حيث وصلت نسب الطلاق في بلادنا إلى ارتفاعات غير مسبوقة حتى لتحسب ما تسمعه من حالات ضربًا من اللا واقع خاصة في الأشهر الأولى للزواج وهو ما يشي بالصدمة التي تطال العريس والعروسة من أثر اللقاء الحميمي (المتوقع) في عش الزوجية الذي يجلب معه تدريجيًا كل صفات وعثرات وطباع الشخص الآخر فتتوالى جبال عدم التفاهم والاختلافات الكبيرة والصغيرة سواء في طريقة التعبير أو الأكل أو الرؤية أو كيفية تقييم الأشياء والناس لتفضي في النهاية بأحد الطرفين إلى الهرب عودة إلى المربع المألوف: بيت العائلة وفي الأغلب هي الفتاة لكن هذه المرة كمطلقة مما سيعقد مسألة زواجها فيما بعد.
يخرج الطرفان من تجربة مريرة وقد هدتهم تجربة العيش المشترك الذي لم يألفاه بعد تساقط الأحلام الوردية وكلاهما يجر أذيال الخيبة والقلق والتوتر من العلاقة مع الجنس الآخر؟ كلاهما يسأل نفسه: لماذا فشلت التجربة؟ هل لأني فاشل. أو أنني فعلاً لم أكن بقدر توقعات الطرف الآخر؟ أين الحب والمحادثات التلفونية والسلفي المرسل آخر الليل؟
الرضوض والخدوش النفسية والعقلية الهائلة التي تصيب الفتاة والفتي بعد الطلاق مخيفة ليس أقلها فقد الثقة بالنفس في البداية، لوم الذات وطحنها بتحليلات عقلية ونفسية لا تصدق ثم الوقوع في إحباط مدمر بعد تصديق نهاية الحدث وأنه فعلاً أصبح واقعًا يتناقله الآخرون في همس وربما شماتة لكن من يدري عن قلبي العروسين المدمرة؟ لا أحد يتصور أن الولد وبحكم فرصته الاجتماعية اللا نهائية في الحصول على زوجة جديدة متى ما شاء بغض النظر عن عدد تجارب الزواج والطلاق محصن من التدمير والقلق. على العكس ما قد يبديه الرجال بوجوه جديدة صامتة يعكس درجة الألم والإحساس بالخذلان التي تطوق عالمهم فرجولتهم تعرضت للتهديد وآمالهم ونقودهم التي صرفوها على تحقيق حلم الزواج ضاعت هباء الريح.
الفتاة من جانب آخر تنزوي في رحلة اجتماعية مليئة (بالمطبات) المقلقة في عالم نسائي لا يتوقف عن الثرثرة: فلماذا طلقت ولماذا بهذه السرعة؟ ووو... عشرات من التدخلات الاجتماعية العائلية التي تودي بآخر حلم جميل لدى الفتاة إلى الهاوية فتترك دون إرشاد نفسي أو اجتماعي تتقاذفها الرياح الاجتماعية بتوقعات مشوهة إِذ طالما طلقت الفتاة فهذا يعني (انخفاض) قيمتها السوقية إلى (زوجة ثانية) على الأكثر إن لم يكن فقط (مسيار)!!!!
يجب أن يستيقظ الآباء والأمهات فأنتم من أفني عمره يرعى هذين الصغيرين حتى يكبرا فكيف يتهاوى الحلم بهذه السرعة وهو السبب؟ من يعطينا التفسير ثم يقدم بعض الحلول؟
في زمن التكنولوجيا وزمن تشكيل الذوات الفردية عبر قنوات أخرى كثيرة تجاوزت محيط العائلة لم تعد الفتاة هي الفتاة ولا الولد هو الولد: هم أبناء هذا الجيل الذي تتسع دائرة توقعاته بحجم المعارف المتاحة على الويب لذا لم تعد الفتاة هذه (الصغيرة التي تفرح بسفرة أو مطعم: هي سافرت وذهبت إلى كل المطاعم وما تحتاجه هو التفهم وسعة البال والولد من جهته يرى كل هؤلاء الفاتنات سواء في الألعاب الكمبيوتر أو في الأغاني أو في الدارك ويب فيتطلع لصور غير واقعية تجاه الفتاة التي تجهل كيف تتعامل مع رجل بشكل قريب جدًا وخلال أشهر من العيش المشترك تنهار جبال المثالية والشخصية ليعود الإنسان إلى الربع الأول: مربع ذاته كما خلق. لكن هل تعرف الفتاة هذه الذات وهل يعرف الفتي ذات المرأة.
تعد مؤسسة الزواج من أهم المؤسسات الاجتماعية لتشكيل أجيال المستقبل عبر نواة الأسرة لكن طرق الدخول إليها وطرق التعارف بين زوجي المستقبل وفي عصرنا الحاضر لم تعد كافية لتلبية متطلبات الأجيال الشابة في المملكة ولذا حري بنا تطوير طرق مختلفة يطمئن فيها الأبوين على بناتهم وأبنائهم ويعطي كلا الطرفين الفرصة لتعارف أفضل ولمدة أطول بما يسمح لكليهما بمعرفة طباع الآخر قبل عقد القران.
أسألكم الآن: كم حالة طلاق سمعتم عنها خلال الأشهر الأخيرة؟