عبده الأسمري
نفرح كثيرًا بمواسم العبادة فإذا بدأت تخلصت النفس من عنت بيروقراطية الحياة قليلاً وخرجت من قبو زيف الدنيا.. استكانت إلى روحانية الالتجاء إلى الله.. ارتكنت إلى حيث ضعفها ورجائها وتوسلها ناكصة إلى حين سيرتها الأولى الفطرية السوية حيث تتناقل وسائل الاتصال والتواصل الأذكار والمواعظ والتذكير فتشغف الأرواح بآمال الدعاء وأمنيات الرجاء وتنتعش بصدقة كانت مخفية وخبيئة استمرت ظاهرة ودعوة ظلت متعنتة وحسنات اختزلت وصالحات اختفت.
يخرج الإنسان من موسم العبادات وكان آخرها عشر ذي الحجة بصفاء ذهني ونقاء قلبي مذهل حيث خضعت الحواس لدروس إيمانية منتقاة واستسلمت الجوارح لتواصل روحاني مع خالقها.. فتشربت الأرواح هذا اليقين وتقلبت في نعيم السكينة
ولكن السؤال ما دور هذه المواسم وإعجازها وعجائبها في بلورة السلوك الإنساني وفي توظيف السعادة وشيوع الفرح؟
عندما تمتلئ الأجهزة النفسية بالذكر الحكيم وعندما تتفاعل خلايا الجسم مع روحانية العبادة فإن ثمة برمجة عصبية وحسية تفرض ايحاءاتها وإيماءاتها وتحركاتها من خلال لغة الجسد وتفاعل النفس وتعاطي الروح.. يتعلم الإنسان في مواسم العبادة تعويد النفس وتدريبها على أقوال وأفعال واستزادة من «منابع الخير» ومن «مكامن الحسنى» وهذا منهج رائع من ربط الإنسان بزمان معين من خلال تخطيط إيماني مبرمج ومدروس ولكن ما أعنيه أن لهذه المواسم تفاصيل مرتقبة وإيجابيات مستقبلية على الإنسان فهمها والإيقان بها والتيقن بمصيرها إلى حيث سمو الفطرة وعلو الآدمية ورقي النفس الإنسانية. ما بين مواسم العبادة ومراسم السعادة رابط قوي وارتباط أقوى من التغذية الراجعة ومن إعجاز تناغم العبادات مع المعاملات.. فالسعادة تعامل وتكامل مبدأه وأساسه الصالحات التي تعد منهج العبادة ونهج التعبد لله وحده.
عندما نهلنا من معين العبادة وتزودنا بخير الزاد التقوى ونعمنا بعتاد المعرفة الدينية والعلم الشرعي وزادت مساحات الثقافة الدينية في عقولنا علينا أن نكرس ذلك في المعاملات فحينما تتشرب أرواحنا تلك المعاني يجب أن نعي أن لله أسماء حسنى من المهم أن ندعوه به ومن الأهم أن نوظف تلك الأسماء لتكون مناهجنا في تعاملاتنا فعندما نذكر الرحمن الرحيم واللطيف والحنان المنان والرزاق والجواد والمحسن والكريم والودود والشكور والوهاب والمعطي يجب فعلاً أن نستحي وأن نخجل لو فشلنا في تعاملاتنا وخرجنا عن إطارات قيم هذه الأسماء وعندما نعلم علم اليقين بمفهوم العبادة علينا أن نفهم وأن نرتقي بعباداتنا لتتجاوز المواسم الدينية إلى المراسم الإنسانية لنرسم حدود العبادة والسعادة معًا في إطارات من القيم والمثل والميول والاتجاهات التي تعكس جوهر الإسلام وتوظف معاني الإيمان وتكمل بناء الإحسان وفق مقتضيات الشريعة ومتطلبات الحياة. علينا أن نحول المعلوماتية التي نتناقلها إلى سلوك بشري وإلى أسلوب حياة.. يجب أن نعي بأهمية رسم السعادة من قلوب حافلة بالذكر محتفلة بحب الآخرين مبتهلة بتقديم العون للغير مطبقين معادلة الدين والحياة فعندما ترتفع الأعمال في صحائفنا يجب أن نحافظ على تلك العلامات المضيئة وكي نزيدها علينا أن نتذكر ما يخلفه نفع الناس وإدخال السرور على الغير وفرج الكربات وقضاء الحاجات والرحمة والتعاون من توظيف السعادة في حياة الناس وأثقال الموازين يوم القيامة علينا أن نربط الدين بالمعاملة والعبادة بالسعادة.