د. حسن بن فهد الهويمل
التذكير من السنن الحسنة المأمور بها: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. وإذ تكون العبرة في عموم الدلالة، لا في خصوص السبب، فإن من يُذكَرِّك بعزيز، أو بموقف شريف، يكون كمن ذكرك بأمر من أمور دينك.
من التذكير الجميل، والإهداء الأجمل ما تلقيته من صاحبة السمو الملكي الأميرة [عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز]، رئيسة [مجلس إدارة مركز توثيق سيرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود]. [عبدالله بن عبدالعزيز إضاءات في سيرة ملك] من تأليف الأستاذ الدكتور [سعد بن عبدالرحمن البازعي]. والإهداء يحمل جاذبيات ثلاث: المُهْدِي، والموضوع، والمؤلف.
تلقيته على فترة من الاهتمامات، فقرأته على مهل. وهو إذ لم يُضِفْ لي قيمة معرفيةً، فإنه ذكرني بأشياء شغلتني عنها عوارض الزمن، وفكك لي أبنية تكشفت عن دلالات عميقة.
الكاتب القدير كان موقفاً في التقاط الزوايا المهمة في حياة رجل تكتظ حياته بكل جميل. وحسناً نهوض مثله بمثل هذه المهمة.
[الملك عبدالله] يعيش حضوراً: حسياً، ومعنوياً في قلوب المواطنين. يمثل الحسي منجزاته الاستثنائية. فيما يمثل المعنويات علاقات الود، والمحبة المتبادلة.
وهو ممن يتوفرون على حب استثنائي: فهو مَخْمُومُ القلب. صدوق اللسان. نقي الأردان.
فشكراً للأميرة البارة بأبيها، المحسنة إلينا، الناهضة بفريضة الكفاية. فحق ملوكنا علينا يوجب تقصي أفضالهم، وإشاعتها. فهي من باب الدفاع عن سمعة المملكة.
وحكامنا منذ عهد المؤسس حتى عهد [الملك سلمان] وفقه الله، لكل واحد منهم محاسنه المناسبة لمرحلته. وحقهم علينا الترحم على الأموات، وصدق الولاء، وخالص الدعاء للأحياء، وإعادة مآثرهم إلى المشاهد.
فالشباب قد يجهلون من سبق، ولا سيما أفضال المؤسس الذي أنشأ من لا شيء، كل شيء. لقد جمع الله به الشمل. ووحد به الصف، والكلمة، والهدف. وأعز به الدين. وأشاع به الأمن، والاستقرار.
ولأنه ومِنْ بَعْدِه أبناؤه، يشكلون بما فعلوا، ويفعلون تاريخنا الحديث، فإن علينا أن نجعله ماثلاً للعيان، حاضراً في أذهان الجيل دون مبالغات، ولا تزلفات.
تسلمت الإهداء القيم، وحمدت لرئيسة المركز انتداب أديب عميق المعرفة، متوازن الآراء، مِثل الصديق، والزميل الأستاذ الدكتور [سعد البازعي] للنهوض بهذه المهمة الكبيرة، التي تعد من فروض الكفاية.
لقد أوذينا في وسائل الإعلام المأجور، وأشيعت قالة السوء عنا. ولكي نتصدى لتلك الحرب الإعلامية المنظمة فإن واجبنا تقديم رجالاتنا، وعقيدتنا، ومنهجنا في الحياة من خلال تاريخ قادتنا الحافل بجلائل الأعمال.
جاء الكتاب في مقدمتين، وأربعة أبواب، تتقاسم خَمْسَةَ فصولٍ، وتملأ مئة، وثلاثة، وتسعين صفحة من القطع الكبير. وطَّأَ المؤلف للكتاب بمقدمة تاريخية موجزة. ثم تناول شخصية [الملك عبدالله] من خلال محورين: التميز الذاتي، المتمثل برحلة الرجولة من الطفولة إلى الكهولة.
والتميز العملي من قيادة [الحرس الوطني]، إلى قيادة الوطن. والكاتب حريص كل الحرص على المصداقية، وتقصي الحقول العملية، البعيدة كل البعد عن الإنشائية، والإعلامية. وقد عزز خطواته الثابتة الوئيدة بالصور الشواهد.
منجزات [الملك عبد الله] شواخص، يعرفها الجميع. والرسم بالكلمات يعضد التمتع بالمنجزات. فكل مواطن يعيشها واقعاً مَحْفُوراً في الذاكرة، مُسْتَثْمراً على أرض الواقع. وهو إذ جاءنا بالمنجزات المثيرة للإعجاب. فلا أقل من أن نأتي نحن بالكلمات التي تفي ببعض حقه.
هذا الكتاب جمجم عما في نفوسنا. فرحم الله [أبا متعب] لقد أتعب نفسه حين تسلم الراية بعد رحيل [الفهد]، فما ترك ساعة من نهار، إلا وفيها مشروع [يدشن] وآخر يشارف على النهاية. فله منا الدعاء الصادق، ومن الله الرحمة، والمثوبة. ولخلفه العز، والتمكين، ومواصلة المشوار:
نُجُومُ سَمَاءٍ كُلَّما غَابَ كوكبٌ
بَـدا كوكـبٌ تَأْوِي إلَيْـهِ كَوَاكِبُـهْ
أَضَاءَتْ لَهُم أَحْسَابُهم وَوُجُوهُهُم
دُجَى اللَّيْلِ حَتَّى نَظَّمَ الجِزْعَ ثَاقِبُه
أضْفَى المؤلف على كتابه الذي يتنازعه المنهج السِّيْرِي، والمنهج التاريخي بعداً أدبياً خَفَّفَ من جفاف العلمية، والتاريخية.
وقيام أديب ناقد مبدع بمثل هذه المهمة تَتَحَقَّق من ورائها متعة الفن، وخيال الفنان، وأدبية النص، مع الاحتفاظ بمقتضيات الموضوعية.
وموضعة شخصية استثنائية مثل [الملك عبدالله] رحمه الله، تفتح آفاقاً واسعة للتأمل، والإشادة، والقدوة، والاستزادة. فَسِيَرُ العظماء ليست للمتعة فقط، ولكنها للاستفادة، والتفكر، والتدبر.
[هُو البَحْرُ مِنْ أَيِّ النَّواحِي أَتيْته
فَلُجَّتَهُ المَعْرُوفُ، والجُودُ سَاحِلُه]
عرفت [الملك عبدالله] رحمه الله عن قرب، فلمست اللطف، والعفوية، والقصد في الأمور كلها. ألقيت بين يديه كلمة ضمن وفد [جامعة القصيم] فأبدى إعجابه، وتلك كلمة ثناء عارضة، أدخلت السرور في نفسي، ومكنت من حبه في قلبي. وعَرَّفنِي عِنْده الزميل [حسن الخليل] ضمن ضيوف [الجنادرية] فاستنكر ذلك، بكلمات لطيفة، انداحت معها مساحة الحب.
ولست وحدي مَنْ ينعم بمثل هذه اللمسات الإنسانية، فكم من مواطن لقي من عطفه، ولطفه ما ملأ جوانحه بهجة، وسعادة. إنه الطبع، والسجايا الحميدة، التي غمرت نفوس المواطنين وامتلكت مشاعرهم:
[ومَنْ وَجَدَ الإحسان قيداً تقيداً].
وقلَّدني [وسام الملك عبدالعزيز] بيده الكريمة.
كانت له لمسات إنسانية، ونفحات إيمانية، تدل على عمق إيمانه، وثقته بربه. وليس أدل على ذلك من طلبه الذي أثار الأشجان، والأحزان، والحب، والحنان:
[لاتنسوني من دعاكم] قالها بلهجته العامية العفوية، فانطبعت في النفوس كالنقش على الحجر. إنها خاتم الصدق، والإيمان الذي يَمْهَرُ السيرة، والمسيرة. لقد ملك فيها ألسنة الشعب، وملأ قلوبهم محبة:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدًّا}.
نعم لقد جعل لله له حُبًّا في قلوب عبادة . فعن [ابن عباس] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله أعطى المؤمن الألفة، والملاحة، والمحبة في صدور الصالحين، والملائكة المقربين... الحديث}.
إن على المقتدرين من كتابنا: مؤرخين، وأدباء أن ينهضوا بمهمة التوثيق الموضوعي للتاريخ الشفهي، والسير الذاتية لقادة البلاد، ورجالاتها الأوفياء الذين قضوا زهرة شبابهم، وعنفوان كهولتهم، وحكمة شيخوختهم في خدمة الدين، والوطن.
وصاحبة السمو الملكي الأميرة [عادلة] التي ندبت نفسها للنهوض بشطر من هذه المهمات الوطنية تقدم القدوة، وتستنهض همم المترددين لمبادرة الوقت، وقطع دابر التسويف.
فحق رجالات الوطن المخلصين من ساسة، وعلماء، ومصلحين، ومحسنين، وأعيان لا يليق بها التسويف والتردد.
تحية إكبار لرئيسة [مركز توثيق سيرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود] وتحية إعجاب للمؤلف. ومزيداً من الإنجازات الوطنية على مختلف الصعد، وعبر كل وسائل الإبلاغ. فوطننا ورجالاته جديرون بمثل هذه الوثائق.