خالد بن حمد المالك
توشك أزمة دولة قطر أن تبلغ من العمر ثلاثة أشهر، ولا يظهر في الأفق ما يشير إلى أننا على موعد قريب من حل لها، فقطر تعاني بسبب قطع العلاقات وبسبب إقفال حدودها مع الدول الأربع، والدول المقاطعة تتجنب الإضرار بالمواطنين القطريين، وتتألم لحالهم، وتتمنى من النظام القطري لو يكف عن دعمه للإرهاب، وعدم تشجيعه لكل ما يثير الفتن والصراعات في الدول الشقيقة، لكيلا يكون هناك داع للتعامل مع وحشية النظام بهذه القرارات الصعبة، غير أن جميع الأبواب التي طرقت بحثاً عن حل يمنع تمادي نظام تميم في التدخل في شؤون هذه الدول، لم تجد من قطر إلا الرفض، وإظهار ما يشير إلى أن الدوحة ليست على استعداد للقبول بأي طلبٍ كشرط لفك الاختناق عن قطر، واستعادتها من خاطفيها.
* *
أي أن الإجابة عن السؤال حول الموعد المتوقع لإنهاء هذه الأزمة في ظل الظروف والتفاعل القطري لا تبدو قريبة، وأن أي اختراق لهذه الأزمة لتشجيع الشيخ تميم على الأخذ بموقف مرن يطيّب خواطر أشقائه المتضررين لا يبدو أنه يمكن تحقيقه الآن، غير أن المفاجآت في السياسة أمر وارد، فمتى شعرت قطر بأنها تفقد الكثير من الأوراق التي تعتقد أنها لصالحها، سوف تضطر إلى استدعاء الوسطاء لتمكينهم بما يساعدهم على إنجاح وساطتهم، غير أن هناك جهات مضادة لأي حل، من داخل قطر وخارجها، ربما هي من تثني أمير قطر عن تقديم أي تنازلات، وصولاً إلى الحل المنشود للأزمة القطرية مع الأشقاء والجيران، وحجتهم أن مطالب الدول الشقيقة تمس السيادة الوطنية لقطر، وتصنف بنظرهم على أنها تدخل في شؤونها الداخلية.
* *
ولا يوجد لدى النظام القطري، كما يبدو، أي توجه في ظل هذه الضغوط المعادية لإجراء عملية جرد، وكشف حساب للإيجابي والسلبي فيما لو بقيت السياسة القطرية على ما هي عليه، أو تم تغييرها كما تنادي بذلك الدول الأربع، ولهذا سوف تظل هذه الأزمة تراوح مكانها، دون أي تغيير جوهري مقنع لدول المقاطعة، إلا أننا لا يمكن أن نسقط من أذهاننا إمكانية أن يتغير كل شيء، وينسف النظام كل ما كان موضع ملاحظة على الدوحة، وهذا - إن حصل - فهو عودة الروح أو الوعي إلى نظام تميم، وبالتالي إعادة الاطمئنان إلى دول المنطقة وشعوبها، بأن عهداً جديداً من الاستقرار قد بدأ، بعد سنوات من الغليان الشعبي كان يقوده ويدعمه النظام القطري، بحجج واهية، وأسباب تآمرية تشجعه عليها إيران والإخوان المسلمون.
* *
السؤال والجواب حول نهاية الأزمة القطرية يتمحوران بين متفائل ومتشائم، بين راغب في حلها سريعاً وفوراً، وبين من يريد أن تستمر لتأكل الأخضر واليابس، وتعمق الخلافات بين الدول وشعوبها، وهي سياسة قذرة تتبناها تلك الجهة التي تنادي باستمرارها، فنجدها تودع لهذا الغرض المال في بنك هذه الأزمة، وتمدها بالدعم اللوجستي والإعلامي وبالسلاح، بينما يسير الطرف الآخر في إطار التهدئة، والحل الشامل والنهائي لكل مظاهر التطرف والعنف والتحريض والإرهاب، لأن الرغبة المتأصلة لديه تنبع من حرصه على تثبيت الأمن والاستقرار والسلام في دولنا ومنطقتنا وبين شعوبنا، وهذا هو الفرق بين نظام تميم وأنظمة الدول الأربع الأخرى، هناك مصدر عنف وتآمر وإرهاب وتحريض، وهنا التمسك بمبدأ أن تكون هذه المنطقة ودولنا خالية من الإرهاب، وعدم السماح بالتطرف والعنف والتحريض والتدخل في شؤون الدول.
* *
أنا -حقيقة- لا أجد تفسيراً لرفض نظام قطر التخلي عن الإرهاب، ولا أفهم لماذا يصر النظام القطري على ممارسة التطرف والتحريض، ويسمح لنفسه بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، وكلها تدين من يُقدم على ذلك سواء بالممارسة أو الدعم والتشجيع، وهي بالنسبة لقطر فإن استخدامه لها قد أضعف موقفه، وقوّى من الموقف المعلن للدول الأربع، والمحصلة في هذا النزاع أن قطر لا تريد أن تتخلى عن سلوكها، بدليل استخدامها لأسلوب النفي والإنكار لإظهار براءتها، بينما يأتي موقف الطرف الآخر بفتح ملفات كثيرة تدين قطر بوصفها دولة إرهابية، وأنها تمارس التحريض والتطرف ضد الدول الشقيقة، بما لا معنى للإنكار القطري، لجرائم مثبتة عليها بالوقائع والشواهد والإثباتات الأخرى.
* *
أنا أعتقد -أحياناً- أن الأجواء ربما يتغير طقسها واتجاه رياحها، بأن نُفاجأ بما لم يكن في حساباتنا، وبما يخالف كل توقعاتنا، أعني أن تكفّر قطر عن سيئاتها، وأن تعود دولة مسالمة، وصاحبة قرار سيادي، لا ارتباط لها بإيران أو الإخوان المسلمين، ولا تفكير لديها بدعم إقامة الدولة الفارسية أو دولة الخلافة الإسلامية، هذا يعني - لو تحقق - أننا استعدنا قطر من خاطفيها، وأن هذه الدولة الصغيرة المشاغبة لن تكون كذلك في المستقبل، وأن الرهان على خلخلة الأمن في منطقتنا وبين دولنا أصبح من الماضي، وأنه قد خاب ظن المتآمرين على قطر وعلينا، وهي مجرد توقعات ضمن توقعات أخرى تناقض ذلك، لو أننا بنيناها وفقاً لما تتحدث به وسائل الإعلام القطرية، وتلك المدعومة منها.
* *
وأي محب لاستقرار المنطقة، وحريص على أن تكون دولها في مأمن من الخطر، لا يمكن له إلا أن يكون في اصطفاف مع من يتمنى زوال ما سبب هذه القطيعة مع دولة قطر، وذلك بتمنياته وآماله أن تتخلى قطر عن كل تصرف يغضب الدول الشقيقة لأنه يمس أمنها، ويسوءها لأنه يعرض مصالحها للخطر، وكل هذا بيد النظام القطري، الذي هو من (كهرب!) الجو، ووضع الحطب وأشعله لتكون الأوضاع على نحو ما رأيناه من مظاهرات وتخريب وقتل في كثير من دولنا الخليجية والعربية، فإذا أراد هذا النظام أن يسود الهدوء والاستقرار دولنا فعلاً، فما عليه إلا أن يكف أذاه، ويوقف مؤامراته، ويتجنب تحريض وتوظيف العملاء من أن يقوموا بهذه الأعمال المشبوهة، وعندئذ سنكون على موعد مع واقع جديد مختلف، لا تشكل فيه قطر رأس حربة للإرهاب وتمزيق الصف الخليجي والعربي، ولا تكون الدوحة مصدر تهديد وإزعاج لنا.
* *
وكل ما تطلبه دول الخليج ومصر من نظام قطر أن يكون النظام في مستوى المسؤولية، ويحترم الاتفاقات وحسن الجوار والأخوة، ويلتزم بما يكون قد تم التفاهم ثم الاتفاق عليه مع قطر، دون تراجع أو عدم التزام، وأن يتجنب ما كان سبباً في قطع العلاقات وإقفال الحدود، سواء بتدخله غير المقبول بالشؤون الداخلية للدول، أو بتشجيع التطرف، أو بتبني المعارضين لأنظمة دولهم ودعمهم بالمال والسلاح، لأن هذه هي قواعد السلامة المفترضة بين الدول، ومن دونها لن تكون العلاقات طبيعية بين هذه الدول، وستظل هناك شكوك، ومواجهات مضادة بحسب ما يتبين ويظهر من عداوات، مثلما حدث مع دولة قطر الشقيقة حين تبين أنها تتآمر على المملكة والإمارات والبحرين ومصر، ما جعل من قراراتها ضد قطر ضرورة لاتقاء شرها وأذاها.
* *
متى تنتهي الأزمة القطرية، وتعود الشقيقة الصغرى إلى وضعها الطبيعي بوصفها دولة خليجية وعضواً في مجلس التعاون لدول الخليج، هذا سؤال إجابته عند أمير دولة قطر الشيخ تميم، فهو من يملك توجيه العناصر المتآمرة بالتوقف عن الاستمرار في إيذاء الدول الأربع، وإلزام كل من كان سبباً في الوصول بالعلاقات القطرية إلى هذا المستوى مع الدول الخليجية والعربية بعدم تكرار أي عمل يضر بعلاقات قطر مع أي من هذه الدول، وإذا ما تم ذلك فإن الطريق سيكون سالكاً للترحيب بقطر دولة حرة ومستقلة، تتعاون مع أشقائها في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام بين دولنا، وستكون إيران هي أكبر الخاسرين في مثل هذه الصفقة، لأنها سوف تحرمها من التوغل في دولنا، ونشر إرهابها، وتحقيق شيءٍ من مطامعها، الأمر الذي سيكون موضع ترحيب وتقدير من جميع مواطني دولنا الخليجية.
* *
وإذا كان نظام تميم جاداً في إيجاد حلول لمشكلة بلاده مع الدول الشقيقة، وصادقاً في التزاماته المستقبلية، وأنه في موقع المسؤول الذي يملك القرار، فإن عودة العلاقات مع قطر لا تحتاج إلى وساطات، ولا إلى شفاعات، ولا إلى نصائح، وإنما يكفيها أن يقبل الشيخ تميم بالشروط التي قدمتها الدول الأربع كأسباب لكل هذه التطورات السلبية لعلاقة قطر مع أشقائها، فإذا كان هناك التزام من قطر بها فإن ذلك سوف يزيل كل أسباب هذا التوتر، وبالتالي منع أي تصدعات جديدة، وتصعيد آخر، في العلاقات القطرية الخليجية والعربية، وهي مطالب متى ما قُرئت بتأنٍ، ودون سوء نية مسبقة، فسيجد النظام القطري أنها موضوعية، ولا تسيء إلى قطر، وإنما تنقذها وتحميها من تداعيات تصرفاتها غير المقبولة.
* *
وأعتقد أنه لا بأس لدى الدول الأربع من مراجعة هذه الشروط الثلاثة عشر بين الوسيط الكويتي الشيخ صباح والشيخ تميم، بما لا يخل بمطلب منها، واقتصار هذه المراجعة على ما يحسن في صياغتها ويلبي الرغبة القطرية، ويحافظ في الوقت ذاته على جوهر المطالب، وأساسيات صمود أي التزام قطري جديد من التراجع أو التخلي عنه، كما حدث مع اتفاق عام 2013 وملحقه في عام 2014 عندما تخلى النظام القطري عن التزاماته، ومارس ما هو أكثر من الممارسات العدوانية التي أشرنا إليها في أكثر من مقال في هذه السلسلة من المقالات اليومية، وذلك للتأكيد منا على أن العلاقات المستقبلية مع قطر ستبقى هشة، وقابلة للانفجار في أي لحظة، طالما ظلت علاقاتها بهذا الارتباط المشبوه مع إيران والإخوان المسلمين.