نجيب الخنيزي
حذرت المؤسسات «الليبرالية» من تنامي ظاهرة التفوق العنصري والنازيين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أشار الصحافي المختص بالشئون العسكرية، فْرِد كابلان، إلى حادثة شارلوتسفيل بالقول «لو كنا نقطن في بلد آخر، فإن ما جرى يمكن أن يُنظر إليه كمقدمة لانقلاب عسكري نوعاً ما».
في حين حذرت أسبوعية ذي نيشن صناع القرار، سياسيين وعسكريين، من ظاهرة «الحرب العرقية المقدسة «بالقول «حروبنا الإمبريالية الجديدة ربما تعود إلى نحورنا.. هل ستشهد أمريكا (فوضى) الشرق الأوسط؟.
السؤال هنا: هل ظاهرة الحركات النازية والقوى اليمينية المتطرفة شيء عابر ومستحدث أم هي ظاهرة قديمة ومتجذرة في الحياة الأمريكية؟.
حين وقع انفجار المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي (1995) والذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من الأمريكيين، أثار ردود فعل سريعة وتلقائية لدى المسؤولين وأجهزة الإعلام والرأي العام الأمريكي الذي حمل مباشرة العرب والمسلمين مسؤولية ما جرى، إلى أن تكشفت الجهة المسؤولة الضالعة في تلك العملية الإرهابية، وتبين بأن المتهم الرئيس هو رجل أبيض ومسيحي «تيمبو ما كفي» جديد، وقد نفذ فيه حكم الإعدام لاحقاً، وأفادت التحقيقات أنه ينتمي إلى إحدى المليشيات شبه العسكرية «ميليشيا ميتشجن»، وهو ما مثل صدمة للأمريكيين، وجعلهم ينتبهون إلى حقيقة أن التطرف والإرهاب مستوطن لديهم، وبالتالي فهو ظاهرة عامة لا تتعلق بدين أو عرق أو ثقافة بعينها، وأن ما حصل ليس حادثاً عرضياً أو الاستثناء في الحياة الأمريكية.
الواقع الأمريكي يشير إلى انفلات الأمن وتصاعد العنف (الفردي والجماعي) والذي يتمثل في تزايد معدلات الجريمة وإطلاق النار على تجمعات المدنيين من الموظفين والعمال، وطلاب وطالبات المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، غير أن الأخطر هو نشوء وتزايد حضور وتأثير المليشيات العسكرية وشبه العسكرية والمنظمات المتشددة والمنغلقة والغرائبية الذي أصبح ظاهرة عامة وملحوظة في الحياة الأمريكية، ولم يكن انفجار أوكلاهوما سوى رأس جبل الجليد. وفي هذا الإطار نذكر حادثة «واكو - تكساس» المأساوية الشهيرة (1992) حينما مات حرقاً زعيم جماعة «الداودين» ديفد كوريش ومعه نحو ثمانين من أتباعه من بينهم نساء وأطفال بعد حصار قوات الأمن الأمريكي لهم زهاء خمسين يوماً، وقبلها بسنين عدة كانت مأساة جونز تاون (جويانا) في عام 1978 حيث استطاع زعيم جماعة أخرى اسمه جيم جونز من إقناع أكثر من 900 من اتباعه بالانتحار الجماعي بمادة «السيانيد» وهم مجموعة أمريكية وقعت تحت سيطرته وهاجرت معه إلى جويانا (أمريكا الجنوبية) حيث شيدوا وسط الغابات «معبد الشعب». المعلومات المتوفرة عن الجماعات الدينية والعرقية المتطرفة في داخل الولايات المتحدة متباينة، حيث تقدر أعدادها بين ألفين وخمسة آلاف جماعة ويتراوح العدد الإجمالي لأعضائها بين عشرة وعشرين مليون شخص، وتقدير متوسط عدد الأعضاء في كل منها يتراوح بين العشرات والآلاف. وقد أصبحت هذه الظاهرة محل اهتمام المؤسسات الدينية الرسمية (التقليدية) المعروفة وكذلك أجهزة الأمن والإعلام والكونغرس ومراكز الأبحاث والدراسات، لمعرفة جذورها وأسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والنفسية وسبل التصدي ووضع الحلول لها.
ظاهرة العنف والإرهاب، وتفريخ الجماعات الدينية والعرقية المتشددة لا يمكن عزلها عن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة، ومن هنا يرى عديد من المحللين الأمريكيين وغيرهم أن إدارة ترامب ربما يكون لها دور في إنعاش جماعات التفرقة العنصرية، التي تطالب بحصر الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية بشريحة ضيقة من البيض الذين يصعدون شعارات التفرقة والعنصرية خدمة لمصالحها.