«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كل واحد منا مواطناً كان أم مقيماً يستحق إجازة ينتظرها البعض على مضض وهناك من يخطط لها. وفي المواسم والإجازات تنتشر الإعلانات التي تغري بالسفر وشد الرحال إلى خارج الوطن، بل وصل الحال في السنوات الأخيرة إلى قيام شركات سفر وسياحة بالتنافس والإغراء للدعوة إلى رحلة ممتعة في الشرق والغرب والشمال الأوروبي، وجنوب إفريقيا. وكل واحد عادة يقضي الإجازة حسب إمكاناته وقدراته، فهناك من يركب الطائرة إلى أي مكان في العالم ويسكن في أفخم الفنادق والشقق المفروشة الفخمة أو يذهب لقصر أحد معارفه أو إحدى فلله الفاخرة التي باتت منتشرة لمن حباهم الله بنعمه وخيره وأعطاهم الخير الوفير، فكان لهم أكثر من بيت في هذه الدولة أو تلك.. وهناك من تجده يقضي إجازته في ربوع دولة متوسطة الحال مصاريفها وتكاليفها على قدره فيسكن في فندق 3 نجوم وربما أقل. لكنه لا يتردد أن يتجول في نفس الأماكن التي يتردد عليها الأثرياء، فأنت تجد في طوابير السياح خلال قطعهم التذاكر الدخول الملياردير أمامه رجل متوسط الحال لكنه يتذوق الفن ويريد أن يشاهد ما يحتويه المتحف من مقتنيات، ونفس الحال تجدهم معا الأثرياء والفقراء يتنفسون نفس الهواء ويشعرون بذات المشاعر من حيث الاستمتاع بالطبيعة والمناظر وحتى الاسترخاء في المقاعد على شواطئ كان أو مونت كارلو أو الريفيرا أو حتى الجلوس في مقاهي ترابيا وهم يشاهدون مياه البسفور.. وكثيرون من المسافرين خلال أيام العيد تجده بعضهم حسبها صح كما يقولون يؤجل السفر في الصيف ليقتنص إجازة العيد ويطير للخارج مع أفراد أسرته بعد أن وضع ميزانية معقولة تتناسب مع إمكاناته، بل هناك من يعتبر سفره مع أسرته هو العيدية التي يفضلها الجميل كما قال لي أحد المعارف بمناسبة سفره قبل أيام لقضاء إجازة العيد في الخارج عندما أشار إلى أنه حسبها من جميع الزوايا فوجد سفره أو هروبه في العيد أفضل من وجوده فبعض أفراد من قبيلته اعتادوا التردد عليه في العيد مما يضعه في حرج كبير. ولا يستطيع أن يعتذر عن استقبالهم وضيافتهم طوال مدة الإجازة لكن عندما يعلمون أنه خارج الوطن فيسقط الأمر في أيديهم. والعيد في السنوات الأخيرة بات موضع مباهاة واستعراض الإمكانيات والقدرات وحتى الفشخرة الفاضية فكلما بعدت الدولة التي تسافر إليها كلما زاد قدرك عند البعض المهووسين بهذه الظاهرة، والعجيب أن التقنية وبرامجها ساعدت الناس على التباهي فراح البعض يلتقط الصر في كل مكان تصل إليه قدماه أو جلس ليتناول كوب نسكافيه في أحد المطاعم فالتقط له صورة سيلفي أو تحدث بشكل ممجوج عبر «السناب» عن زيارته التاريخية التي حقق فيها ما لم يحققه المؤرخ الكبير (محمد عنان) رحمه الله عن الأندلس، لقد تضاعفت الصور والفيديوهات التي تنشر عن أشياء باتت مشاهدة بل مألوفة جدًا، ومع هذا، الناس حرة فيما يعشقون وأين يذهبون. ويبقى للسفر أكان في العيد أو غيره متعة وفرصة للتغيير والتجديد حتى ولو كان هروبًا من العيد ومصاريفه التي باتت ترهق ميزانية كل بيت أكان صاحبه غنياً أو محدود الدخل. فللعيد ظروفه وطقوسه وعاداته المتوارثة أباً عن جد.. أليس كذلك؟!