«الجزيرة» - واس:
أدى المصلون صباح أمس صلاة عيد الأضحى المبارك في المسجد الحرام في مكة المكرمة، وسط أجواء آمنة مطمئنة مفعمة بالخشوع لله سبحانه وتعالى في هذا اليوم الفضيل. حيث أمهم فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي الذي أوصى، المسلمين بتقوى الله تعالى حق التقوى، وحفظ أوامره وتعظيم حرماته وشعائره، «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. واتقون يا أولي الألباب».
وقال فضيلته في خطبة العيد التي ألقاها أمس بالمسجد الحرام: أيها المسلمون في كل مكان، حجاج بيت الله الحرام: مبارك عليكم هذا العيد، وحبانا الله وإياكم بيوم المزيد، وأعاده على المسلمين في أمن وأمان، ورخاء وإيمان.
وأضاف يقول أيها المؤمنون: العيد شعيرة عظيمة من شعائر الله، نلهج فيه بذكره وشكره، ونظهر الفرح بنعمته إنه تعاطف ومحبة، وتواد ورحمة، ونفوس متسامحة، ورحم موصولة، فاهنأوا بعيدكم، وصلوا أرحامكم، فصلتهم بركة في الرزق، ومنسأة في الأثر، وتوفيق في الحياة الدنيا ورضوان من الله تعالى في الأخرى، ففي الصحيحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يبسط له في رزقه. وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)), فالله الله يا عبد الله: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك. وخاطب حجاج بيت الله قائلاً حجاج بيت الله الحرام: إن هذا اليوم العظيم، هو يوم الحج الأكبر، وهو أعظم أيام الدنيا، قال ابن القيم رحمه الله: «يوم عرفة، مقدمة ليوم النحر بين يديه، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة، والابتهال والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة، ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم ربهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته، ولهذا كان فيه ذبح القرابين، وحلق الرؤوس، ورمي الجمار، ومعظم أفعال الحج، وعمل يوم عرفة، كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم». «ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق».
وأوضح أن الواجب على الحاج، بعد أن وقفت بعرفة، وبت بمزدلفة، أن تبيت ليالي أيام التشريق بمنى، اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأيام التشريق، هي التي عناها الله عز وجل بقوله: «واذكروا الله في أيام معدودات»، وفي صحيح مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق، أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل». فاشكروا الله عباد الله، أن بلغكم هذه الأيام المباركة، وأكثروا فيها من ذكره وتكبيره، اتباعًا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتداءً بالصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ففي صحيح البخاري: كان عمر رضي الله عنه، يكبر في قبته بمنًى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرًا.
وبين الشيخ المعيقلي أنه كم في الحج من مشاهد جليلة، وآيات عظيمة وليس شيء أظهر فيه من توحيد الله جل جلاله، وصرف العبادة له وحده لا شريك له، فأعمال الحج كلها تبدأ بتوحيد الله، وتختم بتوحيده، قال جابر رضي الله عنه: عن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، أهل بالتوحيد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»، رواه الإمام أحمد. وأبان أن في الطواف بالبيت توحيد، بل ما رفعت الكعبة إلا من أجل ذلك، «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئًا»، ولما صعد صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا، ليسعى بينه وبين والمروة دعا بالتوحيد فقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده». رواه مسلم.
وكل العبادات من صلاة وصيام وزكاة، مدارها على التوحيد، «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين».
وقال فضيلته معاشر المؤمنين: إن أعظم الشرور والبلايا، التي أصابت أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنما كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وانتشار البدع والضلالات في المجتمعات، وصرف العبادة لغير الله، واتخاذ الوسطاء والشفعاء، والإحداث في الدين بما ليس منه، ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))، وفي الصحيحين، من حديث الصديقة رضي الله عنها وأرضاها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وأردف يقول أيها المؤمنون، حجاج بيت الله الحرام: إن السلام من أعظم مظاهر الحج، فترى المحرم منذ أن يدخل في النسك، فهو في سلام، فلا يحل له أن يقتل صيدًا، ولا يعين على ذلك، ولا أن يأكل ما صيد من أجله، ثم إذا دخل مكة، جمع بين سلام الإحرام، وسلام الحرم، فالحرم لا ينفر صيده، ولا يقطع شجره، ولا يختلى خلاه، ففي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي قط إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد». وإذا نظرنا معاشر المؤمنين إلى مظاهر السلام في الحج فإنها تعم هذه المحظورات المادية، وكذلك أقوال الناس وأفعالهم، والله تعالى يقول في محكم تنزيله: «الحج أشهر معلومات. فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. وما تفعلوا من خير يعلمه الله. وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. واتقون يا أولي الألباب». ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم في حجه، يحث الناس على الرفق واللين، حرصاً منه صلى الله عليه وسلم على سلامتهم وأمنهم، وتذكيراً منه بمبادئ السلام الأصيلة في الحج، فلما رآهم عند الجمرات، وهم في زحام وتدافع شديد، قال: «يا أيها الناس، لا يقتل بعضكم بعضًا. وإذا رميتم الجمرة، فارموا بمثل حصى الخذف», رواه أبو داود في سننه.
وأكد أن الإسلام هو دين السلام، والنبي صلى الله عليه وسلم نبي السلام، والله جل جلاله هو السلام، ويدعو إلى دار السلام, «والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم», لذلك حرص صلى الله عليه وسلم، على ترسيخ هذا المبدأ العظيم في قلوب أمته، لأن فيه وحدتهم وتآلفهم، وعزهم وقوتهم.
وأوضح أنه لم يغادر النبي صلى الله عليه وسلم هذه البقاع الطاهرة في حجة الوداع، إلا وقد أوصى بالنساء خيراً، وإن حقوق المرأة يا عباد الله وحريتها وكرامتها، كل ذلك مما ضمنه لها الإسلام، بعد أن أعلى شأنها وحفظ مكانتها، وجعلها شقيقة الرجل، فإن كانت أماً رؤوماً، فبرها مقرون بحق الله تعالى، وهو مقدم على بر الأب ثلاث مرات، وإن كانت زوجة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخيركم خيركم لنسائهم». رواه الترمذي في سننه، وقال: حديث حسن صحيح. وإن كانت بنتًا أو أختًا، فقد رتب الأجر الجزيل على من عالهن وأحسن تربيتهن فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا دخل الجنة» رواه البخاري في الأدب المفرد. وواصل خطبته قائلاً أمة الإسلام: ها هم ضيوف الرحمن، في مشهد مهيب، تضيء بهم المشاعر المقدسة فمنهم من يرمي جمرة العقبة، ومنهم من يحلق أو يقصر رأسه ومنهم من يذبح هديه، في يسر وسهولة واطمئنان، وأمن وأمان، وذلك بفضل الله تبارك وتعالى أولًا وآخرًا، ثم بجهود هذه الدولة المباركة، المملكة العربية السعودية، التي جعلت من أهم أولوياتها، خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، ليكون البيت المعظم، كما أراد الله تعالى، مثابة للناس وأمنًا، فمن منبر الكعبة المشرفة، وفي يوم النحر والجمعة، أحب أيام الله إلى الله، وبين الدكتور ماهر المعيقلي أنه قد اجتمع لكم في هذا اليوم المبارك عيدان: عيد الأضحى وعيد يوم الجمعة، فمن شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لما في سنن أبي داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون».