علي الصراف
منذ اللحظة الأولى، اختار «نظام الحمدين» في قطر أن تأخذه العزة بالإثم، وأن يمضي في طريق القطيعة، وأن يقطع الجسور، وأن يمارس النكران على ما يرتكب، وأن يواصل سياسات المناكدة الطفولية، وأن يضع رهاناته في سلة إيران وتركيا، إنما لكي يقول لكل الدول العربية والإسلامية (وليس فقط للسعودية والإمارات والبحرين ومصر) إنه ماضٍ في طريق اللا عودة حتى ولو أدى الأمر به إلى التهلكة.
السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه في هذه الظروف هو: إذا كانت «قطر الحمدين» (وهي ليست قطر التي نحب ونعرف) قد اختارت سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أفلا تمنح هذه السياسات، الإذن تلقائيا، لكل الدول المتضررة بأن تتدخل هي الأخرى في الشؤون الداخلية القطرية؟
هذا مجرد سؤال، وهناك الكثير من الأسئلة المماثلة، إلا أنها من الخطورة بمكان بحيث لا يجرؤ المرء حتى على طرحها. (وخذ من هذا مثالا على أن الإثم الذي تمارسه سلطة قطر تجاه أشقائها أكبر من أن يُقابل بالمثل).
يكاد كل واحد يرى بأم العين أن الدول المعنية بمقاطعة قطر لا تريد لهذا البلد ولا لشعبه الضرر. ويكاد كل واحد يفهم مدى الحرص الذي تمارسه هذه الدول على إبقاء جسور الأخوة قائمة، وعلى ألا تقطع سبل التواصل والتعاون والمودة. ويكاد الكل يدرك، تمام الإدراك، أن بوسع هذه الدول أن تضيف إلى العقوبات ما يمكنه أن يجعل المسؤولين في قطر يدفعون ثمنا باهظا عما يفعلون.
ولكن الواقع يثبت في الوقت نفسه، أن نظام الحمدين يدرك هذا، ويستغله أسوأ استغلال بالتمادي في الغي، ولعب دور الضحية.
ماذا بقي لهذه الأزمة لكي تنتهي؟
إن مخاطبة شعب قطر هي الحل. إن كشف الحقائق كلها أمامه، هو الطريق. إن كشف كل أبعاد الجريمة وغاياتها الخبيثة، بروح الأخوة المخلصة، هو السبيل لجعل هذا الشعب يدرك أن نظامه يرتكب جريمة ليس بحق دول شقيقة فحسب، تحت ذرائع وهمية أو منافقة أو واهية، وإنما بحقه هو بالدرجة الأولى.
القطريون، مثلهم مثل كل شعوبنا الأخرى، جديرون بالثقة. ولو أنهم تمكنوا من الاطلاع على الحقيقة، وتمكنوا من رؤية أبعادها وعواقبها، فإنهم هم من سوف يقررون مصير هذا النظام بأنفسهم. وهم من سوف يضع حدًا لأعماله. وهم أكثر من غيرهم من سوف يمكنه أن يوقف تسرب الأموال إلى تنظيمات الإرهاب، وهم من سوف يعيدون بناء جسور الأخوة لتكون أقوى بكثير مما كانت.
إن محاكمة نظام الحمدين، أصبحت واجبا مستحقا ولا مفر من القيام به. ولكن، ليس أمام المحكمة الجنائية الدولية (فهذا مجرد خبر)، وإنما أمام محكمة القلوب والعقول، القطرية والخليجية والعربية (فهذا هو الرواية).
ولماذا نخشى التحدث بلغة القلوب والعقول مع شعوبنا، وهي ترى وتعرف الثمن الذي ندفعه جراء سياسات التمزيق والتفتيت والإرهاب؟ لماذا لا نضع كل شيء على الطاولة بصدق وأمانة لكي يرى الجميع تلك السياسات بوضوح؟
عندما تكون هناك مؤامرة، فمن الخير أن تنكشف. وبالأحرى، فهذا أول واجبات الوعي، وأول واجبات الصد، حيال نظام اختار أن يتكابر، وأن يقطع الجسور.
جدير بواحدة أو أكثر من كبريات محطات التلفزيون العربية أن تشترك بعمل وثائقي شامل، يكشف عن كل فصول الجريمة، وأبعادها، وما كان من عواقبها على الملايين ممن تضرروا من أعمال الإرهاب والتخريب والتدخل في شؤون دول مثل مصر وسوريا والعراق وتونس وليبيا.
عمل يتعين أن يكون نبيلا بصدقه، مخلصا في توازنه، وشجاعا بجرأته، أولا، لكي يقول لشعب قطر إن قلوبنا معكم ونريد لقلوبكم أن تكون معنا ضد هذا البلاء الذي ابتلانا به نظام الحمدين. وثانيا، لكي يقول لشعوبنا نفسها إن دعم تنظيمات «الإسلام السياسي» هو مشروع لجريمة أكبر من كل ما رأينا حتى الآن، وأن الواجب يقتضي أن نقف سدا منيعا لسيل الخراب الذي تبشرنا به «إدارات التوحش» للجماعات التي يمولها هذا النظام الظالم. وثالثا، لكي نثبت للعالم بأسره، أنه نظام جريمة كبرى، لا ضحية. وأن شعب قطر، بريء منه ومن نفاقه وقبح أفعاله.