خالد بن حمد المالك
هناك خيانة، وهناك خيانة عظمى، الأخيرة هي التي يوصف بها نظام تميم، فهي بمقاسه، وخيانته مركبة، ومتكررة، وخطيرة، حيث تلامس عمق مصالح الدول الشقيقة، وتتناغم مع الأهداف الإيرانية التوسعية القذرة، ومع أحلام تنظيم الإخوان المسلمين في إقامة دولة الخلافة، ما يجعل من نظام الشقيقة الصغرى في موقع المدان بالخيانة العظمى على جرائمه، ومؤامراته، وتحريضه الشعوب للخروج على النظام العام، وعصيان أوامر أنظمة دولهم، وأكثر من هذا دعم النظام للإرهاب وتمويله، وإيجاد الملاذ الآمن للإرهابيين في قطر الحبيبة، وامتداداً لذلك تبنِّي قناة الجزيرة القطرية كل سياسات قطر ذات الصلة بالتطرف، والتدخل في شؤون الدول، ضمن برنامج النظام الإرهابي الذي يتعاون مع إيران في التخطيط له وتنفيذه.
* *
خيانة نظام تميم ليست تهمة مفتعلة تحتاج إلى بيِّنة، وإنما هي حقيقة دامغة بأكثر من بيِّنة، وبأوضح دليل، فقد شكَّل نظام تميم، وقبله نظام والده حمد، من الدوحة مظلة لإرهاب الدول، فآوى الإرهابيين الخطرين، وموَّل الإرهاب بالمال والسلاح، وخدم الإرهابيين بالإعلام المحرِّض، وتدخل في شؤون الدول، ومضى يكيل العداء للأنظمة والدول، وكانت المظاهرات والتخريب لعبته المفضلة، يتبناها ويدعمها، ويتابعها بالتشجيع في إعلامه المشبوه، وهذا يعني أننا أمام نظام خائن، ويمكن وصفه دون تردد، بأنه نظام يستحق أن يطلق عليه صفة أنه خائن بالدرجة العظمى، إذ لا يمكن أن يوصف بغير ذلك، بينما هو يمارس كل هذه الأفعال، ويصدر عنه كل هذا العبث، فهو إذاً مريض ويستحق أن يوصم بالخيانة العظمى أو الكبرى، وهو الذي تجرَّد من كل الالتزامات والمواثيق الدولية، والاتفاقات الثنائية والجماعية مع الأشقاء.
* *
نوضح أكثر، فقد وقَّع النظام القطري على وثيقة تلزمه بأن يبتعد عن الإضرار بالدول الشقيقة، فلا يحتضن أعداءها، ولا يمارس الإرهاب معها، ولا يوظِّف الإعلام ضد مصالحها، ولا يقيم علاقات مشبوهة مع دول لديها أجندة وسياسات توسعية ضد مصالح دولنا، وغير ذلك كثير مما اعترف به، وأكد أنه لن يكرره في المستقبل، فإذا به وقبل أن يجف حبر القلم الذي وقَّع به الشيخ تميم على هذه الوثيقة أو تلك يمارس نفس ما قال إنه تخلى عنه، مضيفاً تدخلات ومواقف جديدة تجعل من الدوحة مسؤولة عن الدماء والتخريب في أكثر من دولة، فهو بذلك نظام يقول ما لا يفعل، ويفعل ما يقول إنه لن يفعله، وكل هذا تم إثباته من خلال الشهود والصور والأصوات والأحداث التي لا يملك نظام قطر أن ينفي بالدليل شيئاً منها، وهي مع غيرها تظهر إلى أي مدى كان هذا النظام البائس ألعوبة بأيدي الإيرانيين، والنتيجة خيانته العظمى للأشقاء الخليجيين والعرب.
* *
أسأل: هل هناك خيانة عظمى أبلغ من التخطيط لاغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - ومن العمل على تقسيم المملكة إلى دويلات، وتشجيع ودعم شيعة المملكة الموالين لإيران لقتل رجال الأمن والمواطنين والإفساد في الأرض، وفي البحرين أليست الحرائق والتخريب والقتل بدم بارد التي أقدم عليها الشيعة في البحرين الموالين لإيران، وكانت قطر كما تأكد هي من تدعمهم، وهذا مثبت بالصوت والصورة لتغيير النظام الحاكم في البحرين، ألا يعطينا الحق للقول عن نظام قطر بإنه نظام عميل وخائن بالدرجة العظمى، وهذه التسجيلات الموثقة هي الأخرى عن تدخلات قطر بالشأن الداخلي لدولة الإمارات، ومحاولة إحداث فوضى ونزاعات كما تحدث بذلك أحد الأشخاص الذين وظِّفوا لتنفيذ الكثير من الجرائم، ألا تجعل هي الأخرى من نظام قطر في موقف النظام الخائن بالدرجة العظمى، وإذا ما استرسلنا في الحديث عن جرائم نظام تميم، هل يمكن أن نتجاهل الدور القطري الإرهابي المحرّض في مصر، والأعمال الإجرامية التي شهدتها شوارع وميادين القاهرة والمدن والمحافظات المصرية الأخرى، وما آل إليه الوضع بعد كل هذه الدماء والتخريب من سرقة تنظيم الإخوان المسلمين لثورة الشعب والوصول إلى الحكم، أليس هذا وحده يدين النظام بالخيانة العظمى، دعك من الأحداث في تونس وليبيا وسوريا واليمن وغيرها.
* *
نحن نتكلم عن حقائق، ولا نسمح لأنفسنا باتهام نظام تميم بغير ما هو ثابت وموثق عليه، وهو في كل الأحوال الآن وفي المستقبل في موقع من يستطيع أن يبرئ ساحته مما كان فيه خائناً بالدرجة العظمى، وذلك بالبدء في رحلة العودة إلى علاقات جديدة مع الأشقاء، تتسم بالأخوة والصدق وعدم الطعن من الخلف، فحين يحدث هذا، ويصاحبه فك الارتباط في العلاقة مع إيران، والإخوان المسلمين، وتنظيف قناة الجزيرة من هذه الشلة التي تزرع الكراهية والبغضاء بين قطر والدول الأخرى، وتحاول أن تنقل بضاعتها الإعلامية العفنة إلى مجتمعنا المتحاب بتشجيع وموافقة من النظام في قطر، حينئذٍ يمكن أن نقول عنه بإنه لا يستحق أن يوصف بالخيانة العظمى.
* *
إنّ أبغض ما علينا، أن نجد قطر خارج المنظومة الخليجية، وأن نظامها يتصرف وكأنه يحكم ولاية ضمن اتحاد فيدرالي لم يعلن عنه بعد مع إيران، حيث نرى بوضوح الأهداف المشتركة بينهما، والسياسات التوافقية لضرب استقرار وأمن ومصالح دولنا، وحيث تسريب المعلومات والأسرار التي تكون بين دولنا بحضور ومشاركة قطر إلى الدولة المعادية إيران، وكأن مشاركة نظام تميم في مجلس التعاون لدول الخليج وفي باقي المؤسسات والاجتماعات الخليجية بوصفه مندوباً للنظام الإيراني ومتحدثاً باسم ولاية الفقيه، لا بكونه نظاماً قطرياً في دولة مستقلة يشارك بقية دول المجلس في همومهم والتحديات التي يواجهونها، وتستدعي مثل هذه الاجتماعات التنسيق فيما بينهم لمعالجة ما يستجد من موضوعات بما يخدم مصالح الجميع، غير أن مثل هذا التصور لا يستقيم مع سلوك دولة الخيانة العظمى.
* *
وكما هو واضح فنحن لا نتجنَّى على نظام تميم، ولا نحاول أن نكتب بما لا يساعد على عودة قطر للجسم الخليجي، ولكننا نذكِّر وننبِّه ونوضِّح للنظام القطري أن أفعاله تقوده لأن يكون في موقع الخائن خيانة عظمى، وأنه لا مكان للخونة في صفوف الشرفاء، وأن معالجة الأمر على نحو يغيِّر أسلوب الخداع والكذب يمكن تحقيقه في حالتين:
- الأولى: أن يعلن النظام عن ندمه على كل تصرُّف صدر منه وأساء إلى الدول التي مسَّها بضرر على مدى عشرين عاماً مضت.
- والثانية: أن يوافق على الطلبات الثلاثة عشر التي تطالب بها الدول الأربع، لأنها مستخلصة من الوقائع التآمرية المثبتة على نظام قطر.
وبهذا يمكن الوصول إلى تصالح بين قطر والدول الشقيقة، متزامناً مع تصالح بين نظام تميم والمواطنين القطريين الذين ساءتهم المغامرات والتهور والخروج عن التقاليد القطرية في علاقة قطر بأشقائها، وساءهم أكثر هذا الارتباط المشبوه بين الدوحة وطهران على حساب العلاقة مع المملكة والإمارات والبحرين ومصر.
* *
وهكذا نرى أن دولة قطر هي التي تملك مفاتيح تحسين علاقاتها مع الدول الشقيقة، فبينما وضعت الدول الأربع خارطة طريق لمعالجة الأزمة القطرية، تصر قطر على أن تكون الحديقة الخلفية لإيذاء المملكة تحديداً وبقية الدول الأخرى، ما نحسب أن مواجهته بالصمت، وتجنب إثارته إعلامياً، والقبول بوساطات غير ملزمة لنظام تميم بأي شيء، إنما هو تشجيع للنظام القطري على تطوير وتصعيد عملياته الإرهابية، خصوصاً مع رفضه فك الارتباط مع إيران في أي تنسيق إرهابي قادم، الأمر الذي يجعل من الدول الأربع التي تحارب الإرهاب على حق حين قطعت علاقاتها الدبلوماسية والقنصلية، وأقفلت حدودها مع دولة تُصنَّف على أنها تمارس الخيانة العظمى مع جيرانها وأشقائها.
* *
هل هناك من بوادر تزيل الممانعة القطرية، وتحرك في النظام الحس الوطني والخليجي والعربي، فنرى أننا أمام دولة تراعي مصالحها بقدر مراعاتها مصالح جيرانها وأشقائها، فلا يكون هناك خوف من خيانة، أو تآمر بانفراد أو بالشراكة مع إيران على مصالحنا، لأن موضوع الخلاف يبدأ وينتهي بالتأكد من أن نظام قطر يأسف لما حدث، وأنه بدأ يراجع سياساته بما يرضي الجار والشقيق، بعد أن أصبح واضحاً أن إيران والإخوان المسلمين وحزب الله ليسوا الضمانة لمستقبل قطر ونظام تميم، وإنما الضمان دول مجلس التعاون ومصر، أما إيران وذراعها المؤذي حزب لله فيريدان أن تكون قطر مخلب قط لإيذاء دول الخليج العربي، وتحقيق مصالح إيران التوسعية تقوم بها قطر بالوكالة عنها، ومثلها تنظيم الإخوان المسلمين الذي كل همه أن ينطلق من الدوحة بعد أن فشل في مصر لتجميع قواه وعناصره المتناثرة في أكثر من دولة لاستعادة العمل المنظم لإقامة حلمه في دولة الخلافة.
* *
هذه هي قطر التي نريد أن نمنحها أجمل الأوصاف، ونتغنى بها، ونكتب لها وعنها أجمل الكلمات، غير أن نظام قطر يرفض القبول بذلك إذا كان سوف يكون على حساب فك ارتباطه مع عدو قطر وعدونا، أو كان سيحول دون تحقيق ما يعتبره حقاً سيادياً له، حتى لو كان هذا الحق الذي يتحدث عنه هو الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول، وهنا تكون المعالجة مستحيلة للوصول إلى حل مع نظام هكذا يفكر، وهكذا يتصرف، أي أن مثل هذه الحلول تصبح مؤجلة إلى حين، والتعامل يجب أن يكون بالحزم والعزم، إذ لا مكان لحوار مع من يكون خائناً لكل ما كان موضع اتفاق معه عليه.