فهد بن جليد
نجاح موسم الحج وراحة وسلامة ملايين المسلمين الذي يقصدون البقاع المُقدسة، مشهد تقف أمامه الألسن عاجزة عن الوصف، فلا يوجد مكان في العالم يعيش هذا التحدي السنوي الذي تواجهه بلادنا -حرسها الله- أمام المواقيت الزمانية والمكانية في التجمع البشري الفريد، الذي تحكمه عبادات مخصوصة تؤدي بشكل جماعي في زمن مُحدد وبقعة جغرافية مُعينة، من قبل حشود بشرية تختلف لغاتها وثقافاتها ومشاربها.
المنصفون وحدهم يقرؤون المشهد بعين عادلة، أمَّا أولئك المرجفون فتبقى مُحاولاتهم المُتكررة وأحلامهم وأمانيهم بائسة تتحطم على صخرة النجاح السعودية الصامدة في إدارة الحشود والتغلب على الظروف وتذليل الصعاب في كل موسم.
يكفي السعودية نجاحًا أنها نأت بهذه المُناسبة العظيمة بعيدًا عن الشعارات والمكاسب السياسية والمُزايدات المذهبية والطائفية، رافضة لكل ما يقود للتناحر والفُرقى والغلو والتطرف ليتمسك الجميع بشعار السلام والإسلام الخالد (لا إله إلا الله محمدًا رسول الله) في تناغم فريد بين مُختلف الأجهزة والقطاعات المُشاركة والمعنية بهذه المُناسبة، فالجميع يعلم أن السعوديين تفرغوا لخدمة المُحرم المُسَالم المُلبي، بصدق وإخلاص وتفانٍ في هذا اليوم، وهو يدير وجهه عن الدنيا، حافيًا عاريًا في زي موَّحد يطلب العفو والمغفرة، فلن يخيب الله رجاء طالب، ولن يضيع جزاء خادم باذل.
السعودية تكاد تكون الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تحشد كل طاقاتها وتسخر كل إمكاناتها البشرية والمادية، وتعلن ما يُشبه حالة الطوارئ ليس لإدارة حرب أو صد هجوم أو تعقب مخرِّب أو تحقيق مكاسب اقتصادية، بل ليواصل جنودها موقفًا إيمانيًا إنسانيًا -ألفوه وورثوه- من آبائهم وأجدادهم لتقديم خدمة شرَّفنا الله بها على مر الزمن بكل احترافية ومسؤولية.
وكأنَّ ذلك البياض الناصع الذي يكتسيه المسلمون على صعيد عرفات الله الطاهر في هذا اليوم العظيم، يعكس بجلاء ووضوح حقيقة بياض القلوب الصافية الصادقة التي تقوم على خدمتهم وتسهر على راحتهم، بدًا بخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- وصولاً إلى أبسط جندي وخادم لضيوف الرحمن، حيث لا مُزايدة على ما تُقدِّمه المملكة من غالٍ ونفيس ليخرج هذا التجمع الإسلامي العالمي بأبهى صوره وأروعها، وهو سر حصد -العلامة الكاملة- برضاء الحاج والزائر نفسه بما يلمسه ويعيشه على أرض الواقع، وكسب إعجاب العالم المُنصف الذي يُراقب المشهد عن كثب.
وعلى دروب الخير نلتقي.