عادتْ مكررةً تجري التفاصيلُ
وعاد يأملُ هدمَ الكعبة الفِيلُ
وعاد أبرهةٌ يسعى ويسبقه
(أبو رغال) وتضخيم وتهويلُ
أبلى (نُفيلٌ) وصد القومَ (ذو نفر)
وأُعذِرا أنه ما أسعفَ الحَيلُ
وسار أبرهةٌ للبيتِ يدفعه
ثأراً ولَفْتاً إلى (القُلَّيْسِ) تأميلُ
خابوا رجاءً فربُّ البيتِ يحرسُه
يَحفّه منه تقديسٌ وتبجيلُ
العبدُ يمنعُ إنْ يُغْزى رواحِلَه
فكيفَ مَنْ يَنْتفي إلا بِه الحَوْلُ؟!
تفرقَ الجيشُ أشتاتاً ممزقةً
بِبطنِ مكةَ عصْفاً وهو مأكولُ
وجرَّ أبرهةٌ ذيلاً هزيمتَه
ورُدَّ في نحرِه كيدٌ وتضليلُ
طيرٌ أبابيلُ ترميهمْ حجارتُها
ليستْ حصى إنّما نارٌ وسجِّيلُ
***
في كلِّ عصرٍ به تأتي (قرامطةٌ)
أفعالُها هي والأسماءُ تبديلُ
به (أبو طاهرٍ) من نسلِ أبرهةٍ
على الخيانةِ جيلٌ إثرَه جيلُ
أفنى الحَجيجَ وغطَّى زمْزماً جثثاً
وجاءَ ما لم يَجِئْ بالقتلِ (قابيلُ)
لا يُعرفونَ بِشرعٍ يُوصفونَ بهِ
فَشرعُهمْ هو للإسلامِِ تخذيلُ
عقيدةُ القومِ لم تَسبِقْ بها كتبٌ
خلَتْ.. زبورٌ وتوراةٌ وإنجيلُ
من المجوسِ اهتدَوا للنارِ آلهةً
تقودُهم نحو سردابٍ أباطيلُ
تُقياهم الأصلُ والأحكامُ لاحقةٌ
لكلِّ مُشتبِهٍ معنًى وتأويلُ
يُكفِّرونَ خِياراً في مُصاحبةٍ
دَعواهمُ الحبُّ للأَوْلى وتفضيلُ
***
في كلِّ عصرٍ به فيلٌ وأبرهةٌ
به قرامطةُ الفُرْسِ الأَزاميلُ
خُطاهم الهدمُ أنَّى استوطنوا بلداً
ودأْبُهم دائماً فيه الأفاعيلُ
مثل الخناجرِ هم أدمَوا خواصرَنا
وهم لفارسَ في غزْواتِها خَيْلُ
فهم مَطايا بِجيشِ الفُرْسِ لاهثَةٌ
وفوقَها ماؤُهم والزادُ محمولُ
يُلهونَها علَفاً (بالقَاتِ) تمضغُه
وما حوى من فتاتِ الخبزِ زَنبيلُ
هم الرؤوسُ إذا تشتدُّ معركةٌ
وهم إذا وضعَتْ أوزارَها ذَيلُ
بيادقٌ عدداً تَفدي أكاسرةً
صمٌّ وبكمٌ وعميٌ هم تماثيلُ
يُكثِّرونَ سَوادَ الفُرسِ من عددٍ
وهم غثاءٌ وأرقامٌ مَجاهيلُ
يرضونَ بِالدُّونِ أتباعاً بِلا قِيَمٍ
فلا تُقيِّمهم وَزناً مَثاقيلُ
يُستَخدَمونَ مَناديلاً لحاجتِها
وبعد حاجتِها تُرمى المناديلُ
***
على الخُطى حاولَ (الحُوثيُّ) تجربةً
فيها من الفُرْسِ إمضاءٌ وتوكيلُ
تُمِده من (صواريخٍ) وأسلحةٍ
وحولَه تملأُ البحرَ (الأساطيلُ)
وفي السماءِ بِجسرٍ مُدَّ متّصلاً
ما غادرَته الهَدايا والمَراسيلُ
أهدافُ (قُمٍّ) بِفحوى نهجهِ هدفٌ
وصوتُها نبرةً في الأُذنِ ترتيلُ
يخادعُ القومَ كالأفعى بِملمَسه
لسانهُ بِوعودِ الزَّيفِ مَعسولُ
فالموتُ قولاً (لأمريكا) يُردِّده
وفِعلُه في ضِعافِ الناسِ تَقتيلُ
طغى فساداً وعانَتْ من سَفاهتِه
كلُّ البلادِ التي قد مَسَّها الويلُ
مُستهترٌ مُستبِدٌّ في تَطلُّعه
لا يَرعَوي صَلفاً أن يطفحَ الكَيلُ
فَسوَّلَتْ فارسٌ أمراً لخادمِها
ما كانَ وَرَّطَ أهلَ الفيلِ تَسويلُ
إن كانَ قِبْلَتَكُمْ (قُمٌّ) فَمَكّةُ لَنْ
يكونَ عنها إلى القُلَّيْسِ تحويلُ
ولن تكونَ لغيرِ اللهِ تابعةً
وَمُستحيلٌ كَما تَرجونَ (تَدْويلُ)
فَدُونَها اليومَ آلافٌ مؤلَّفةٌ
ودونَها وَثَبَتْ أُسْدٌ رَآبِيلُ
سَقتْكُم الموتَ في طولِ الحدودِ فلا
يُحصى أسيرٌ لكم فيها ومقتولُ
لنْ تعبُروها وتمشوا أرضَها طُرُقاً
ولا فضاءً.. كِلا البابينِ مقفولُ
إن عاوَدَ (السْكُوْدُ) دَوراً فيلَ أبرهةٍ
(فالباتْرِيُوتُ) له الطّيرُ الأبابيلُ
د- . عبيد الشحادة