عروبة المنيف
أصدرت وزارة التعليم منذ أيام تعميماً لجميع إدارات التعليم بالمملكة، يتضمن زيادة أوقات الدوام الدراسي لمدة ساعة واحدة يومياً، «من الأحد إلى الأربعاء»، بهدف إدخال الأنشطة اللاصفية للمدارس. وقد لاقى التعميم تعليقات عديدة في تويتر، واعترض غالبية المغردين على «زيادة ساعة»، مطالبين بتحسين نوعية التعليم قبل كميته.
من دون شك تسهم الأنشطة اللاصفية في تنمية سلوك ومعارف وقدرات الطلاب والطالبات، في اكتشاف مواهبهم، في صقل مهاراتهم القيادية، في رفع حس الانتماء للجماعة، وفي بث روح الفريق فيما بينهم. وللأنشطة اللاصفية دور كذلك في تعريفهم بميولهم المهنية من خلال تفاعلهم مع بيئتهم، حيث تكتشف المواهب العلمية والفنية الإبداعية، كالموسيقى والتمثيل والمسرح والخطابة والشعرو الاختراعات العلمية التي تنطلق من أروقة المدارس، مقدمة مواهب مفخرة للمجتمع، ويسمح فيها للطلاب وللطالبات أيضاً أن يعبروا عما في جعبتهم من أفكار وإبداعات لا تظهر إلا من خلال تلك الأنشطة البعيدة عن المنهج الرسمي. كل ذلك على افتراض أن الأنشطة اللاصفية تدار بكفاءة وفعالية.
درج مفهوم الأنشطه في مدارسنا على أنها حصص فراغ أو حصص للأنشطة الدينية فقط، لذلك اعترض الكثيرون، وخصوصاً منسوبي التعليم، على تخصيص ساعة إضافية للأنشطة، لأن ذلك بمنظورهم إضاعة للوقت والجهد والمال. هذا بافتراض أن الأنشطة اللاصفية لن تُعطى الاهتمام والرعاية الضروريتين من الوزارة، وفي اعتقادي قرار بهذا الحجم وزيادة ساعة دراسية يفترض أن تكون قد سبقته تحضيرات وزارية مهمة، كتخصيص ميزانية لإعداد البرامج اللاصفية وتنفيذها، وتوظيف مشرفين ومشرفات للأنشطة مؤهلين في جميع المدارس، فهم الشريان الأساسي للأنشطة، لدورهم المهم في تحفيز الطلاب والطالبات على القراءة والاطلاع وفي منحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم، وفي فسح المجال أمامهم لأن يختاروا النشاط الذي يرغبون الانضمام إليه بهدف بث روح الحب والتعلق بالمدرسة لتصبح بيئة جاذبة غير منفرة. ويؤمل من تلك البرامج أيضاً، رفع الحس الإبداعي لدى النشء لتصبح المدرسة مناراً إبداعياً تسهم في إقتلاع الأفكار المتطرفة وخلق مساحات من تبادل الأفكار وقبول الآخر، فالمناهج الدراسية بشكل عام لا تعد الطالب أو الطالبة للحياة الاجتماعية، فكثير من المتفوقين علمياً نجدهم متخلفين اجتماعياً، حيث يصعب عليهم التفاعل مع الجماعة لعدم تدريبهم على لغة الحوار ولاعتماد لغة التلقين في التعليم المنهجي..
ولضمان نجاح البرامج اللاصفية، يجب أن تتناسب مع التوجهات العصرية، بحيث ترتكز على عنصر التشويق والإثارة كتنظيم الرحلات والزيارات الميدانية لفوائدها العلمية والاجتماعية والسلوكية، فزيارة المواقع الأثرية على سبيل المثال، تصنع أجيالاً تعشق بلادها وتراثها وترتبط به فلا نشهد تدميراً للتراث الوطني كما في دول الجوار التي تعاني من الحروب حيث يدمر أبناؤها بأيديهم تراثهم الإنساني.
على الرغم من اعتراضات المغردين على الساعة المدرسية الزائدة، إلا أنني متفائلة في قدرتها على تغيير الصورة الذهنية عن المدرسة لدى الطلاب والطالبات لتكون بيئة جاذبة، وفي قدرة البرامج المطبقة على تطوير وتنمية شخصياتهم بشرط أن تستغل تلك الساعة الاستغلال الأمثل من خلال «إستيراتيجية وزارية عليا» تتناسب ومشروع الأنشطة اللاصفية المأمولة.