عماد المديفر
منذ العام 1987م ظهرت الحقائق الموثقة والبارزة التي تكشف عمالة النظام القطري لنظام عمائم الشر والإرهاب في طهران. بل وحتى في أوج الحرب العراقية - الإيرانية، حين كانت دول مجلس التعاون تقف إلى جانب العراق وتدعمه قولاً واحداً، إلا أنه قد يتفاجأ البعض بأن قطر -وعلى عكس شقيقاتها في مجلس التعاون- كانت هي الدولة العربية الوحيدة تقريباً -باستثناء سوريا حافظ الأسد- التي تتمتع بصلات وثيقة مع نظام «الثورة الإسلامية» في طهران..
وضمن هذا السياق؛ فقد جرى رصد عدد متصاعد من الزيارات رفيعة المستوى بين قيادات البلدين، حتى برزت هذه الزيارات للعلن في الأول من الشهر السادس للعام 1987م واليوم الثاني عشر من الشهر الرابع في العام 1988م، حين زار الدوحة، مرتين، العقل الإستراتيجي المدبر لنظام الملالي وصانع خططهم التوسعية، القيادي الإيراني الأصولي البارز المدعو «علي أكبر ولايتي»، الذي كان حينها وزيراً لخارجية الهالك «الخميني»، ثم كان أن أرسل نائبه إلى الدوحة في اليوم التاسع من الشهر الحادي عشر من ذات العام.. ثم تتالت الزيارات الرسمية المتبادلة الرفيعة المعلنة بعد ذلك، حتى تُوجت بزيارة طويلة لحمد بن خليفة آل ثاني لطهران في شتاء عام 1991م استمرت أربعة أيام.. تم خلالها اعتماد اتفاقيات تعاون سياسية وأمنية واقتصادية مهولة.. إلا أن البارز في تلك الزيارة هو حرص -ولي عهد قطر آنذاك- على ضمان توفير الدعم والإمداد اللوجستي لمياه الشرب والغذاء من طهران.. حيث تم البدء بإنشاء خط أنابيب للمياه العذبة يصل طوله 770 كم، وينقل المياه من بحيرة سد ما يسمى بـ «شهيد عباس بور» على نهر «كارون» أكبر أنهار إيران، إلى قطر، وبتكلفة بلغت تريليون ونصف التريليون دولار أمريكي في ذلك الوقت، وما أن عاد حمد بن خليفة إلى الدوحة حتى لحقه وزير الدفاع الإيراني المدعو «أكبر تركان» فوقعا معاً على اتفاقيات تعاون دفاعية عسكرية، تلتها بعد ذلك زيارات متتابعة ملفتة إلى الدوحة قام بها نائب الرئيس الإيراني المدعو «حسن حبيبي» في شهر مايو من العام 1992م، وصفتها وسائل الإعلام الثورية الإيرانية بـ «نقطة التحول في العلاقات بين البلدين».. ثم وبعد أيام معدودة فقط، زار عبدالله بن خليفة آل ثاني -وزير الداخلية حينها- طهران.. ما يوحي إلى أن النظامين القطري والإيراني كانا يُعدان العدة لأمر ما، أو يتحسبان لأمر ما سيقع بين قطر وجيرانها في دول مجلس التعاون.. لقد كان لذلك دلالات واضحة على قبول الدوحة لخيانة ما لجيرانها، من خلال لعبها لدورٍ لا يزال غامضاً.. إلا أن المؤشرات الأولية تكشف أن فيه تهديداً لأمن جيرانها.. وهو ما بدت بوادره بعد ذلك.. إذ لم تمض بضعة أشهر حتى اعتدت قوات قطرية على الحدود السعودية في سبتمبر 92م، مقيمة مركزاً حدودياً لقطر داخل الأراضي السعودية، فتم طردها على الفور من قبل قوات «المجاهدين» في معركة قصيرة اشتهرت باسم المكان الذي حدثت فيه: «واقعة الخفو»، ونجم عنها استشهاد قائد مجموعة «المجاهدين السعوديين» غدراً أثناء عملية تفاوضه مع الجنود القطريين للانسحاب بهدوء وسلام ودون مواجهات مسلحة أو إراقة للدماء بين «الأشقاء».. فما كان من هؤلاء الجنود المرتزقة القطريين الخونة إلا الغدر به وخيانته كَدَأْب قادتهم، فعالجتهم قوات المجاهدين المحدودة المتواجدة في الموقع مباشرة وقتلت منهم عدداً وفر الباقون.. وكان البعض يظن أن هذه الواقعة تفسر الاستعدادات والتحركات القطرية التي أشرت إليها أعلاه.. إلا أن مجريات الأحداث بعد ذلك كشفت أن هذه الحادثة لم تكن سوى «بالون اختبار» و»جس نبض» لردة فعل المملكة، ومدى جديتها واستعدادها للحسم العسكري في الدفاع عن ترابها، قام بها العميل القطري الخبيث ومن ورائه موجهوه، أرباب حلف الشياطين.
تلت هذه الواقعة ببضعة أشهر زيارة مطولة جداً، وملفتة هي الأخرى.. إلى طهران.. كانت هذه المرة لحمد بن جاسم، استمرت أسبوعين متكاملين.. ومن المعلوم بأن «حمد بن جاسم» هذا هو العقل المدبر والمخطط للنظام القطري، كما هو «ولايتي» عند نظام الملالي.. وبعيد هذه الزيارة جرت عملية انقلاب حمد بن خليفة على والده، وهو الانقلاب الذي عمل عليه الحمدان مع عبدالله بن خليفة وزير الداخلية حينها الذي تكررت زياراته هو الآخر لطهران كما سبق وذكرت -وقد أصبح هذا الأخير بعد الانقلاب رئيساً لمجلس الوزراء- وعبدالله بن خالد آل ثاني الذي تولى وزارة الداخلية بعد الانقلاب.. وهو الذي أوكلت إليه مهمة التواصل مع التنظيمات والعناصر الإرهابية.. كتنظيم القاعدة، وخالد شيخ محمد العقل المدبر لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية.. إضافة إلى دعم جهات وتيارات وشخصيات أصولية سعودية، وغير سعودية.
وبدأت المعلومات تتوالى عن علاقات بين قطر وحزب الله والحوثيين والقاعدة في جزيرة العرب وحماس وغيرهم من التنظيمات الإرهابية.
في هذه المقالة سردت شيئا محدوداً فقط من الحقائق والمعلومات الموثقة التي تكشف جانباً من تلك العلاقة البنيوية والأصيلة والقديمة بين تنظيم الحمدين -منذ بدايات تكوينه- ونظام عمائم الشر والإرهاب في طهران والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. وهي ذاتها جزء من الأدلة الدامغ التي تكشف أيضاً خطأ من كان يظن أن عودة السفير القطري إلى طهران مطلع هذا الأسبوع جاءت كردة فعل على قطع علاقاتنا بها، بل هي في الواقع لم تكن سوى اكتمال لعملية سقوط الأقنعة.. وتمايز الصفوف، وانكشاف الدور المنافق الخبيث الذي كان يعمل عليه تنظيم الحمدين لاختراق الصف العربي والخليجي من الداخل عبر تكتيك ما يعرف باسم «حصان طروادة».
إن من يُسوِّق لتلك الادعاءات والأقوال التي تمرر لرسالة مؤداها أن المقاطعة هي من تسبب في ارتماء الدوحة بين أحضان ملالي طهران؛ تجده هو ذاته من كان يُسوِّق أيضاً لتبرير ارتماء حماس في أحضان طهران.. وهو في الغالب ليس سوى حركي إسلاموي عميل لذات المشروع الذي يعمل عليه تنظيم الحمدين ونظام الملالي، ومن ورائهم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. إلى اللقاء.