ياسر صالح البهيجان
لا تزال الفجوة بين مخرجات المؤسسات التعليمية في مراحلها كافّة وبين متطلبات سوق العمل السعودي قائمة، ما يفرض إعادة النظر في مفهوم التعليم، الذي يتجاوز حفظ المعلومات واستذكارها إلى كونه مهارات مكتسبة وخبرات معرفيّة يمكن الاستفادة منها في الحياة اليوميّة، وجعلها دعامة رئيسة لتنمية الاقتصاد الوطني، وركيزة في تحقيق التحول الواعي نحو مجتمع معرفي يتأسس على الابتكار والإبداع.
مضى على صدور القرار الملكي الكريم القاضي بتنظيم هيئة تقويم التعليم أكثر من عام، ولا يزال المجتمع ينتظر من الهيئة توصيات فاعلة لتطوير كفاءة المؤسسات التعليمية بالمملكة، بعد استقرائها لنوعية تحصيل الطلاب وأداء المعلمين وجودة التدريس وسلامة البيئة المدرسية ومدى كفاءة القيادات وطريقة إدارتها للمنشآت التعليمية.
كما أن العمل على تطوير قطاع التعليم وتحسين كفاءته من الضروري أن يرتبط باحتياجات سوق العمل، وتحليل مسببات البطالة للمضي قدمًا في خفض نسبها، ما يؤكد أهميّة أن تعمل هيئة تقويم التعليم على مدّ جسور التواصل فيما بينها وبين وزارة العمل والقطاع الخاص لوضع استراتيجيّة مشتركة تضمن توجيه الخريجين الجدد نحو تخصصات محددة بإمكانها أن تجد فرصًا أكبر في التوظيف، بدلاً من التحرّك بطريقة منفردة أو استنساخ تجارب دول أخرى تختلف عن متطلبات مجتمعنا وثقافته، والتي أيضًا لا تتواءم مع طبيعة سوق العمل لدينا.
مع إقرار وزارة التعليم لحصّة النشاط في التعليم العام، فإن التساؤل الأكبر: ما هي النشاطات التي ستقدّم للطلاب؟ وما مدى انعكاسها على متطلبات سوق العمل؟ وهل ستكسبهم المهارة الضروريّة لتنمية الذات وتطوير المواهب أم ستكون مجرد ساعة عمل إضافية تهدر الوقت وتستنزف الجهد دون جدوى تُذكر؟
المرحلة الحاليّة تفرض تحولات في أداء المؤسسات التعليمية عبر التخلي عن التركيز على الكم مقابل الكيف، وإعادة النظر في المناهج وتقليص محتوياتها لتفادي إغراق الطلاب بكميّات كبرى من المعلومات غير المهمة، وتحديد ما ينبغي للطالب أن يتعلمه، فالواقع يؤكد بأن معظم الطلاب لا يستطيعون استذكار ما تعلموه بعد مرور شهر واحد من انتهاء مرحلة الامتحانات.
المجتمع يتطلّع إلى دور أكبر تقوم به هيئة تقويم التعليم، وقد توفّرت لديها الإمكانات كافّة، وينتظر أيضًا أن تكشف الهيئة عن استراتيجيتها الجديدة، والنتائج التي توصّلت إليها بعد مرور أكثر من عام على تنظيمها، إذ لا بد من مسابقة الزمن واتخاذ خطوات تصحيحية تسهم في توجيه طاقات الشباب نحو المجالات الحيويّة لخدمة وطنهم، وجعله في مصاف الدول المتقدمة علميًا ومعرفيًا.