«الجزيرة» - المحليات:
أولت المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- ومن سار على نهجه من أبنائه البررة شعيرة الحج والعمرة جلَّ عنايتها واهتمامها، كما تقدم شتى سبل الرعاية والاهتمام بالحجاج والمعتمرين والزوار منذ دخولهم الأراضي المقدسة وحتى عودتهم سالمين. حيث تستنفر كافة الأجهزة الحكومية طاقاتها وتحشد إمكاناتها من أجل راحة وسلامة الحجيج، فأقيمت المشروعات وتطورت الخدمات من أجل تمكين قاصدي بيت الله من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة، لتشكل الأماكن المقدسة على مر التاريخ الإنساني أماكن للعبادة والسلام، وتعبر عن أسس التعايش الإنساني والتواصل والتعارف، ومن هنا جسد التراث الديني بروحانيته وشفافيته علامة مشرقة في أدبيات البشرية وفي هوياتها وثقافاتها المتعددة.
وانطلاقاً من دورها المعرفي البارز أخذت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- زمام المبادرة في قيادة الحراك الثقافي الذي يوازي ويعكس هذه الجهود المتكاملة، لإظهار القيمة الحضارية والثقافية للإسلام وإبراز جهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، حيث اهتمت برصد التراث الحضاري والثقافي والعلمي للحج وللحرمين الشريفين من خلال الكتب والصور النادرة للحرمين الشريفين، والمخطوطات التي كتبت في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمسكوكات الإسلامية التي تم سكها منذ ما يزيد عن ألف ومائتي سنة، والتي تنفرد مكتبة الملك عبدالعزيز العامة باقتنائها مثل الدرهم العباسي الذي ضرب في مكة سنة 291هـ والدينار العباسي الذي ضرب في مكة سنة 293هـ والعديد غيرها، إضافة إلى المواد الفيلمية المتنوعة سواء ما اقتنته المكتبة أو أنتجته، ويمثل هذا التراث الفكري ذاكرة متكاملة للحرمين الشريفين وتوثيق تاريخ المملكة العربية السعودية، وقد عملت المكتبة على توظيف هذا التراث من خلال طباعة الموسوعات والكتب ونشر الصور وإقامة المعارض المتخصصة.
وفي إطار جهود مكتبة الملك عبدالعزيز العامة المستمرة لبناء الجسور المعرفية والثقافية في عصر يتسم بالكثير من المعلومات المضللة والفهم الخاطئ والتفسير الخاطئ للمسلمين في الغرب يأتي تنظيم معرض «الحج.. رحلة إلى قلب العالم الإسلامي» في المتحف البريطاني بلندن، والذي افتتحه آنذاك ولي عهد المملكة المتحدة أمير ويلز الأمير تشارلز مطلع 2012م، ومعرض الحج بباريس عام 2014، لتأكيد أهمية الحج كونه أكبر تجمع للإسلام والمحبة والتقرب إلى الله على صعيد مكة المكرمة، والتعريف بالحج وإبراز الجوانب الإنسانية لرحلة الحج منذ القدم حتى الآن، حيث قامت بعرض ما تحتويه متاحفها من قطع متخصصة ونادرة وشواهد تحكي المعاني الإنسانية لدى المسلمين من جميع الحضارات والثقافات.
وحرصت المكتبة على بيان أن ما تسخّره المملكة العربية السعودية من جهود ملموسة يهدف إلى أن يعمّ السلام العالم بأسره من خلال مبادرات القيادة الرشيدة ومشاريعها الإنسانية تستهدف خدمة الحج وتطوير كافة المناطق التي يقصدها الحجيج، ورصد المعرض التطور الكمي والكيفي لإبراز الجهود الجبارة المبذولة لخدمة الحجاج في ظل القيادة الرشيدة لهذا البلد المعطاء حيث قامت المملكة وعلى فترات سابقة وحاليّة وتقوم بتنفيذ مشروعات ضخمة وعملاقة تستهدف توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة وكافة المشاعر المقدسة لرفع الطاقة الاستيعابية للحرمين الشريفين أضعافاً مضاعفة، لخدمة ضيوف الرحمن الذين يفدون إليها من كل مكان، وخير شاهد على جهود المملكة التطوير الهائل في مشروع جسر الجمرات والمنطقة المحيطة به وفي مشعر منى وفي مزدلفة وتوسعة منشأة الجمرات التي تتكون من أربعة طوابق إضافة إلى الدور الأرضي لاستيعاب قرابة أربعة ملايين حاج إضافة إلى تطوير الساحات في المنطقة المحيطة به التي تستوعب مئات الآلاف من الحجاج، فضلاً عن إيجاد نظام آلي لتنظيف الساحات ونظام النقل الترددي بالقطارات لنقل الحجاج من مزدلفة ومن مخيماتهم في منى إلى جسر الجمرات، وكذلك إيجاد جسور مظللة وأنفاق عالية التهوية لضيوف الرحمن وقت النفرة إلى الحرم المكي الشريف، وربط هذه الجسور بمخيمات الحجاج بمشعر منى، وإنشاء عدد كبير من المستشفيات والعيادات الطبية لخدمة ضيوف الرحمن ومشروع الرش برذاذ الماء لتلطيف الجو لضيوف الرحمن أثناء سيرهم في شوارع عرفات، يضاف إلى ذلك مشروع الرفادة وسقيا زمزم وغيرها الكثير من الإنجازات والخدمات المميزة.
وقد أعطى معرض الحج الذي نظمته في باريس ولندن وقدمته بأكثر من لغة من لغات العالم صورة مثلى من الصور الثقافية للحج ليحدث قدراً من التعايش المعرفي، ونموذجا يحتذى لما تقوم بها المملكة من جهود كبيرة لخدمة المسلمين في أداء ركنهم الخامس، وأكد أن احتضان المملكة العربية السعودية للأماكن المقدسة الإسلامية في مكة والمدينة، يشكل عنوانا كبيرا تاريخيا ودوليا وإنسانيا على المحبة والسلام، والتقارب بين مختلف الأجناس الذين جمعهم دين الإسلام، في هذه الشعيرة ويعكس رسالة التعارف التي جاء بها النبي إبراهيم وولده إسماعيل - عليهما السلام- من أجل البشرية.