فضل بن سعد البوعينين
أعود بالذاكرة إلى حادثة استغلال تنظيم القاعدة في السعودية لكوبونات الأضاحي من أجل جمع الأموال في الداخل بعد أن جففت وزارة الداخلية مصادر تمويلها التقليدية ما دفعهم لاستغلال موسم الحج وأضاحي المسلمين لجمع أكبر قدر من الأموال وتوجيهها لجماعات التنظيم في الداخل والخارج. بعد إلقاء القبض على مسوقي كوبونات الأضاحي؛ قامت الجهات الأمنية بالتحذير من التهاون في دفع أموال المحسنين لجهات غير مرخصة ما قد يتسبب في مشكلات قانونية وأمنية للمتبرع. تتعاظم مخاطر دفع أموال المحسنين لجهات خارجية؛ وأن تمت تزكيتها داخليًا؛ ما قد يقحم المتبرع في قضايا أمنية متشعبة في الداخل والخارج.
وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة من وزارة الداخلية ينشط البعض في تسويق كوبونات الأضاحي أو التبرع لجهات خارجية تتولى مباشرة الأضاحي وتوزيعها نيابة عن المتبرعين؛ تحت غطاء الحاجة الملحة في بعض الدول الإسلامية. تجربة السعودية القاسية مع عشوائية جمع التبرعات جعلتها أكثر تشددًا، وحرصًا على تنظيمها وربطها بقوانين رسمية لضمان حماية المتبرعين، والساعين في جمعها، والوطن من أي استهداف خارجي قد يُقحِم تلك التبرعات في خانة الأعمال المحرمة دوليًا، أو المُضرة بالأمن الداخلي. وفي المقابل فتحت وزارة الداخلية أبواب الخير للراغبين في التبرع لإغاثة المسلمين، حول العالم، من خلال حسابات مصرفية تشرف عليها لجان متخصصة. كما اهتمت الجمعيات الخيرية في الداخل بجمع أموال المحسنين ومباشرة أضاحيهم نيابة عنهم وتوزيعها على المستحقين. ووفرت المصارف آلية دفع إلكترونية لمشروع الهدي والأضاحي الذي يقوم عليه البنك الإسلامي للتنمية ويصل خيره إلى جميع الدول الإسلامية المحتاجة.
يهدف التنظيم الرسمي للتبرعات بأنواعها، إلى وضع مساعدات المواطنين المالية في إطارها الخيري بعيدًا عن الأعمال التي قد تقود مستقبلاً، ولو من باب الخطأ، إلى دعم جماعات مشبوهة في الداخل والخارج.
يضمن تنظيم جمع التبرعات الفصل بين الأعمال الخيرية الحقيقية، والأعمال الخيرية المستخدمة كغطاء لدعم الأعمال المشبوهة وغير النظامية، ويسهم في استدامة الأعمال الخيرية ضمن إطارها القانوني، وعدم تأثرها بانعكاسات عمليات تمويل الإرهاب التي تسببت في تجميد الأنشطة الإغاثية لسنوات.
التشدد في تنظيم عمليات جمع التبرعات جاءت للمصلحة العامة ومتوافقة مع خبرات الماضي؛ فالحماسة الزائدة، وإن بُنيت على نوايا صادقة، قد تقود إلى مشكلات داخلية وخارجية، وقد تُستغل من قبل المتربصين بأمة الإسلام، فتوضع في غير سياقها الإِنساني؛ خاصة أننا نتحدث عن علاقات دولية معقدة؛ وأنظمة مالية عالمية صارمة.
ومع تطور التقنية باتت ظاهرة التسويق الإلكتروني أكثر خطورة من عمليات التسويق التقليدية؛ كما أصبحت عمليات تحويل الأموال عن طريق النت أكثر سهولة ومحافظة على السرية؛ وربما تجاوز الأنظمة؛ ما يستوجب أخذ الحيطة والحذر حين التعامل مع تحويل الأموال للخارج تحت غطاء التبرع للجمعيات الخيرية؛ أو دفع قيمة الأضاحي التي يتم توزيعها على فقراء المسلمين في الخارج.
يمنع القانون السعودي دفع التبرعات لجهات خارجية؛ أو داخلية غير مرخصة؛ ويمنع في الوقت نفسه تسويق حملات التبرع الخارجية؛ لما يترتب عليها من مخاطر كبرى تتجاوز تبعاتها المتبرع نفسه لتصل إلى الدولة الحاضنة؛ وقطاعها المالي.
وجود التشريعات الخاصة بجمع التبرعات؛ والتحويلات الخارجية لجهات خيرية؛ لم تمنع بعض المواطنين من التعامل مع جمعيات خارج المملكة تدعي مسؤوليتها عن تنفيذ برامج إنسانية لدول إسلامية وعربية محتاجة؛ أو التسويق لمؤسسات خارجية وتحفيز المواطنين على دفع أموالهم لها؛ ما يستوجب تدخل الجهات المسؤولة لحماية المواطنين من أي تبعات قانونية تنتج عن تحويلهم أموال الأضاحي والتبرع للخارج؛ ووقف حملات التسويق المحلية التي لا تستهدف الداخل فحسب بل ومحسني دول العالم الإسلامي.