عبده الأسمري
جاء موسم الحج يرسم مشاهد الطهر ويبلور ملاحم الخير . في أم القرى وفي المشاعر المقدسة، يجتمع الملايين تحت لواء واحد وراية متحدة، يسكبون العبرات ويلهجون بالدعوات، في احتفال الأرض وابتهال السماء ومحفل العطاء لهذا المشهد المهيب الذي يعكس شعيرة الحج وأداء نسكها، في منظومة تتجه إليها الأنظار من كل الأصقاع وتتفرغ لها القلوب بالانتظار كل عام.
الزمان شهر مبارك والمكان أماكن التحفت بالضياء والنور، والمناسبة أفواج بشرية جاءت من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في أيام معدودات.
الحج هذه الشعيرة الإيمانية والركن الخامس من أركان الإسلام، هو المنظومة البشرية العظيمة الذي تعكس جوهر الدين وتوحد القلوب واتحاد الأنفس وتلاحم الأرواح في نهج روحاني يتصاعد إلى السماء، وترتد إليه البركات من رب العطاء بالثواب والحسنى والأجر العظيم، الذي يوازي عظم الشعيرة وتعاظم النسك وعظمة الكفة الراجحة لميزان الحج.
الحج يطهر القلوب ويغسل الأنفس ويسبغ النعم الظاهرة والباطنة بأمر الله على كل حاج وحاجة جاءوا ليؤدوا هذا المنسك الكبير، في أكبر تجمع إيماني على ظهر المعمورة،
ملايين من البشر بمختلف أجناسهم وجنسياتهم يؤدون هذه الشعيرة وأخرى مضاعفة من تلتمس وتتشرب روحانية الحج منذ دخول أولى ساعاته بالفضل والغنيمة من كل خير بالصيام والصدقات والأعمال الصالحة، لذا فإنّ الحج منهجيه سلوكية متكاملة تملأ الجهاز النفسي للحاج الذي يؤدي النسك والآخرين ممن ينغمسون في نعيم هذه الأيام بالبركات والصالحات والحسنات، فتتسامى في أنفسهم الهمم وتتعالى في أرواحهم القيم، محتفلين بهذا المشهد الإيماني الإسلامي الإنساني الذي يقي الأنفس من أتعاب الحياة، ويُنقي السرائر من ويلات الظروف ويتجه بالإنسان إلى حيث السلوك القويم من إحسان الظن بالله، ومن الالتجاء إليه بفرج الكربات وأداء الطاعات، ويكمل الحج المنظومة السلوكية بإدخال البهجة في أنفس الحجاج عند كل مشعر مقدس وأمام كل طاعة وحيث ترتفع الأكف لله، يعودون بأنفس مبرمجة إلهياً على حب الخير وسلامة الصدر وطهر التعامل ونبل المعاملات.
إنه الحج منهج ثابت عظيم في علم النفس السلوكي، يقوم على شرع ديني ثابت من القرآن الكريم والسنّة النبوية، وتطبيق ميداني فاخر للسلوك الإنساني، سواء لمن أدى الفريضة أو من تعانقت روحه مع كل فضل لهذا الركن العظيم، ومن ملأ قلبه ببرد سلام الشعيرة وسرور المحفل الديني، ولكل من كان شاهد عيان وشهيداً على هذا الكيان الإيماني بعطر الذِّكر وروح الدعاء وعبرات الرجاء وموجبات العطاء، حتى يتشكل المنهج الإيماني المرتبط بالسلوك الحسن والاستجابات الثابتة المغذية للنفس والروح بكل جميل ونبيل وأصيل من سمو الإيمان وسمات الإنسان.