تركي بن إبراهيم الماضي
كانت الجرائد مصدرًا رئيسًا للأخبار، منذ أن ظهرت للوجود «التايمز» أول صحيفة في بريطانيا العظمى عام 1785م. ثم عرف الناس الراديو ثم التلفاز في بدايات القرن العشرين. شكل التلفاز والإذاعة تهديدًا لوجود الصحف، وكثيرون راهنوا على نهاية الصحف باعتبار أنها لا تستطيع مجاراة التلفاز والإذاعة في اللحاق سريعًا ببث الأخبار في أوقاتها، لكن الصحف واصلت مسيرتها، رغم الإغلاق المتتابع لصحف عريقة، لم يكن أحد يتوقع أن تنتهي، هكذا ببساطة.
في الوقت الحالي، لم يعد التهديد فقط خاص بالصحف، لكنه الآن يشمل جميع وسائل الإعلام التقليدية، التي ستمر بمنعطفات قد تنهي مسيرتها التاريخية. لا يعد ذلك من قبل التنبؤ، ولكنه استقراء للواقع الحالي في كيفية تعامل الناس مع التقنية الحديثة، وخصوصًا في التفاعل مع ما يطرح في شبكات التواصل الاجتماعية، التي تقوم حاليًا بما تقوم به وسائل الإعلام التقليدية، لكنها تتفوق عليها بالتالي:
- انعدام الرقابة.
- سرعة البث.
- عدد كبير من المتفاعلين يفوق عدد المتابعين لوسائل الإعلام التقليدية.
- سهولة الوصول للمعلومة أو الخبر.
- استخدام التقنيات الحديثة في بث الخبر أو المعلومة.
والعامل الحاسم وهو الأهم، تفاعل الناس مع المادة التي بثت في شبكات التواصل الاجتماعية، بغض النظر عن نوعها أو طبيعتها، وهو تفاعل يبدأ حيًا لحظة البث، فإن كانت المادة المبثوثة ذات أثر كبير، تحولت إلى ساحة ضخمة من التفاعل، كما يحدث في الهاشتاقات (الوسوم) التي تنشأ لتداول أثر هذه المادة المبثوثة، وتعليقات الناس عليها، وردود أفعالهم تجاهها. أما إذا كانت المادة المبثوثة ضعيفة، فإنها لا تلبث أن تختفي سريعًا، لأنها لم تجد تفاعلاً من الناس. هذا العامل الحاسم هو برأيي من يجعل الإعلام الجديد يتفوق على الإعلام التقليدي، أي بتفاعل الناس مع المادة الإعلامية، وقبل ذلك هو يصنعها أولاً، مثل أن يلتقط أحدهم بهاتفه، حادثة سقوط طائرة مثلاً، ثم يبثها عبر حسابه في تويتر، ويتفاعل الناس معها، ويطلبون المزيد، ثم تأتي وسائل الإعلام التقليدية للحاق بالخبر، وتطلب تصريحًا من صاحب الصورة أو الفيديو، للسماح ببث الصور التي سجلها بهاتفه، عبر نشرة أخبارها الرئيسة.
إننا أمام عالم جديد يتشكل، كل صناعة حديثة تزيح القديمة عن طريقها، ولا أحد يستطيع التنبؤ بما يحدث في المستقبل القريب. الأكيد أن ما عشناه، وخصوصًا انتظار نشرة أخبار التاسعة، لم يعد من طبيعة وقتنا الحاضر، وهذا ما سيجعل السؤال الأكثر دهشة: ماذا لو لم يكن هناك نشرة أخبار؟