كوثر الأربش
لا يوجد غلطة في تاريخ الحروب أسوأ من الغرور
هتلر مثلاً، لم تنقصه القوة العسكرية، بل نقصته الحكمة -الحكمة نقيضة الغرور- التي كانت ستنقذه من ارتكاب أغلاط أسرعت في دماره. فتح هتلر على نفسه أكثر من جبهة حربية، فسير جنوده للاتحاد السوفييتي، في الوقت الذي كانت جراح ألمانيا ما زالت تنزف في غير موضع. إنه التكتيك الزائف، المبني على تضخيم القدرات والتحدي والغرور. القائد المحنك، يعرف متى يُقدِم، متى ينتظر، متى يتراجع. حتى لو كانت ثمة خسائر في التراجع؛ ستكون بلا شك أقل بكثير من الاستمرار في الطريق الخاطئ. حلف قطر مع المحور الإيراني غلطة إستراتيجية واضحة لكل من امتلك قدرًا لا بأس به من الحكمة. نظرة خاطفة لسياسة إيران كافية لأن تخبرنا أي ورقة راهن عليها تميم!
الغضب والتشفي والتحدي مقبرة السياسيين. وهنا تكمن المعضلة. أقول تحدي لأنه لا يبدو في الأفق أي بشارة خير لمستقبل إيران في المنطقة حتى نَصِفَ هذا الحلف بالموضوعي والمحنك. خصوصًا في هذا التوقيت الذي نجحت سياسة المملكة باضطراد تطورها المذهل على جميع الاتجاهات. وانطلاق فارس السياسة نائب خادم الحرمين الشريفين محمد بن سلمان ما بين سياسة ناعمة مع العراق، وأخرى مسلحة ضد الحوثي في اليمن. الحكمة الحقيقية التي تلاحظ كل الرتوش على خارطة المنطقة وتفعل الآلية الأمثل والأكثر ربحًا. شهور فاصلة ما بين وهم إيران أنها قبضت على زمام الأمور في الشرق الأوسط وقت حكومة أوباما، وبين تغير الأوضاع عندما تسلم ترامب عهدة أمريكا. التوقيت كما قلتُ خاطئ، وقطر ليس لها قوة ولا أوت لركنٍ شديد. حتى بأبسط الأمثال الشعبية، وبعيدًا عن السياسة، قالوا قديمًا: «جاور السعيد تسعد»، فبأي عين رأت سعادة إيران؟ إني حقيقة ممتلئة بالحزن على حال الشقيقة قطر، كل ما أرجوه أن ترى صالحها وصالح مواطنيها، قبل أن يأخذ الغضب قادتها للدمار. والسؤال الآن: ألا يوجد رشيد تثق به حكومة قطر؟ ألم يشر عليها أحد العقلاء للمنزلق الذي تشرف عليه الآن؟ إيران تمتص دماء الشعوب بيد، وتبيعهم التعويذات باليد الأخرى. يمكن لأي مواطن بسيط أن يلحظ ذلك، فكيف غاب هذا عن ساسة وحكام؟
هناك في حياة كل منا، لحظة تراجع، يعود للتفكير مرة أخرى، في الطريق الذي سلكه، يعيد حساباته، ويرتب أوراقه من جديد. وهذا ما أتمناه لقطر فقط. وبكل صدق ونصح وأخوة..