فهد بن جليد
مثل هذه القصص لن تجدها في صفحات الروايات الحالمة، والأساطير الخيالية، بل هي حقائق مُشَاهدة بالعين المُجرَّدة في البقاع المُقدسة، لم يحبّكها سيناريو مؤلف, أو تدخل إخراجي لصُنع مشهد درامي أو رومانسي، بل ترجمتها وجوه حجاج لا يُجيدون التمثيل، ولا حاجة لك أن تسألهم عن أدوار البطولة التي يؤدونها بإتقان هنا، فقط استمتع وتعلم وأنت تلمّح وتراقب تلك الوجوه التي تفوق أصحابها على الفنانين المُحترفين في ترجمة أسمى المشاعر الصادقة المُتبادلة في حسن المعشر ولين الجانب ومعنى الحب العفيف الصادق.
تعجز كلماتي عن وصف وترجمة مشهد زوج مُسن يُمسك بيد زوجته التي أصابتها التجاعيد بكل حُب ورحمة، وهو يصطحبها في رحلة إيمانية صادقة في نهاية العمر، أشبه بالمُكافأة على صبر سنوات الحياة الطويلة التي جمعت بينهما بكل صعوباتها وتفاصيلها المعقدة، جنسيات مُتعددة وثقافات مُختلفة ولكل لمَّاحٍ أن يقرأ تفاصيل المشهد أمامه بتمعُّن.
الحاج محمد، على أبواب الثمانين من العمر، لم تمنعه العقود الثمانية عن تسطير واحدة من أنبل وأصدق قصص الحب و الوفاء، يقول أحمدُ الله أن حققت حلم أم حفيظة بالوصول إلى هنا من المغرب، بينما المرأة المُسنة غارقة في دموع الفرح، هي لا تُجيد العربية بطلاقة ولكن تلك البسمة التي ارتسمت على مُحيَّاها, وهي تحتضن ذراع زوجها المُسن كانت إجابة كافية عن ما تشعر به، صور الحب في البقاع المُقدسة ليست حكراً على مثل هؤلاء, فالعلاقة بين الصغار، الكبار، الإخوة، الأصدقاء، بر الأبناء بوالديهم، الأزواج الشباب، كل تلك الملامح تنقش في ذاكرتنا معاني صادقة وجميلة لكيفية الحُب والوفاء والعطاء والبِر، وما أحوجنا لتعلُّم فنون وأصول تلك العلاقات الإنسانية الحقيقة من ضيوف الرحمن.
تجربة الغوص بين أمواج الحجيج، تجعلك تلمس مشاعر الفرح والرحمة الصادقة المُتبادلة بينهم عن قرب، بعد أن جمع الله لهم شرف الزمان والمكان عندما اختار كل حاج مُرافقة من يحب في هذه الرحلة الإيمانية التي يعيشها بعضهم للمرة الأولى في حياته، فالكلمات والعبارات التي تتسلل إلى مسامعك، والصور الخاطفة والسريعة التي تلمحها عيناك وسط الزحام البشري، هي إيمان حقيقي بأنَّ هناك من المشاعر والتفاصيل ما لا يمكن أن تنقله عدسات المصورين، أو أن تصفه عبارات المُعلقين مهما بلغوا من الفصاحة والبيان.
وعلى دروب الخير نلتقي.