د. خيرية السقاف
مذ يهل القمر في طُلْعته البَدء, و«الله أكبر, لا إله إلاّ الله» تجلجل بها أركان البيوت, والشوارع, والحارات..
تبدأ إشارات الأصابع في الكفوف الرحيمة تشير للصغار إلى أفواههم أن قولوا: «الله أكبر, لا إله إلاّ الله» وردِّدوا..
الصغار الذين لم تستوِ مخارج الحروف في ألسنتهم يتسابقون: «الله أكبل», والأكبر منهم يتباشرون بهجةً بها, وهم ينطقونها سليمة صحيحة فيزيدون في رفع طبقة أصواتهم ليؤكدوا للكبار بأنهم «أعرف» بنطقها, و«أقدر»..
البيوت تُعمَّر تهليلاً, وتكبيراً, حتى غدت سنَّة هذا الذِّكر عادةً لكنها ممتزجة بذلك اليقين, وقيمةً لأنها كلُّ هذا اليقين..
فالله أكبر تقول الأمهات : على الجهل, والضعف, والشيطان, والهوى..
ويذهبن تدرجاً في تلقين الصغار مفاهيم, ودلالات كل عبارة ذِكرٍ بحسب مراحل إدراكهم, وقدرتهم على الفهم..
واستوى الذِّكْر منذها ممتزجاً بالحس, معبراً عن تلك الرابطة التي تكوّنت مع النشأة بين الصغير وربِّه...
الحجُّ هنا مدرسة لا يدع الوالدان لحظة في ثانية من وقته دون أن يفتحوا سِفرها, ويتلوا تفاصيل السطور فيه..
لم تكن مهمة الوالدين يسيرة, ولا سهلة لتشريب نفوس النشء محبة الله, وتعليهم الوسيلة للتعبير عن هذه المحبة إلاّ أوقات التطبيق, في الحج, وفي رمضان, وعند أوقات الصلاة..
وفي المواقف حين يد جائع تمتد, ووجه كالح يلوح, وفقير يؤثر على نفسه أن يقول شيئاً وبه خصاصة لتتسارع الأيدي باحتوائهم إطعاماً, وكسوة , وعطاءً ولو بابتسامة , وكلمة طيبة..
لقد ارتبطت العبادات الأربع في أذهان الصغار بقدسية شعيرة الحج: الحج, الصوم, الصدقة, والذِّكر
حتى إذا ما كبروا, لم يَعُدْ الفرد منهم قادراً على تركها, وهو يقف على قدميه في منأى عن والديه, بعد أن تأخذه الحياة بموجها ليكون في العشرة من ذي الحجة, صوَّاماً, ذاكراً, فاعلاً للخيرات, وحاجّاً إن استطاع سبيلاً..
لم يكن الحج لهم فريضة تؤدَّى في مشاعرها فقط, بل قِيَماً تتوالى, وتتراتب سلوكاً, وفعلاً, وحباً, وإقبالاً, وطمعاً في أن يكون الطريق إلى الله أخضر, ويكون الوصول إلى رضاه بعفوه, وفضله..
الآن الحجُّ هنا,
فماذا يحدث في البيوت بين الوالدين وصغارهم..؟!