قامت المملكة العربية السعودية على يد مؤسسها وباني نهضتها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - ومن أولوياتها تسخير كافة الإمكانات وبذل جميع الطاقات لخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما والمشاعر المقدسة في موسمي الحج والعمرة، نائيةً في خدمتهما عن كل المؤثرات والظروف التي تمر بالعالم على مرّ الأزمان، مستصحبةً عظم الحرمين الشريفين وأنهما مهوى أفئدة المسلمين، فلا تؤثر ظروفٌ إقليمية في تسهيل الوصول إليهما ولا عوامل دولية في بذل الوسع لاستقبال قاصدي تلك المشاعر المقدسة، فهذا منهجٌ راسخ سطّره مؤسس هذه البلاد - طيّب الله ثراه - ونهجه من بعده أبناؤه البررة ملوك هذه البلاد المباركة، قياماً بشرع الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فرسموا منهجاً رائداً في تيسير الوصول للحرمين الشريفين وإقامة ركن الإسلام (الحج) لكل قاصد له بغضِّ النظر عن الظروف المصاحبة، وذلك نأياً بهذه الشعيرة العظيمة من أن تؤثر فيها الأحداث والظروف.
وقد امتنّ الله على خلقه بأن جعل هذا البيت آمناً {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا}، وشرّف ملوك هذه البلاد برعاية أمن الحرم والعناية بالحج وقاصديه، والذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم (وفْد الله).
وها نحن اليوم في عهد ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله بتوفيقه - ومع قرب موسم النسك والحج وما يمثله من كونه الركن الخامس من أركان الإسلام، يأتي إليه المسلمون من شتى أرجاء الأرض لأداء نسكهم وإتمام فرضهم، نرى اليوم ونشاهد بعين منصفة تسجل وتشهد بما تراه وتعايشه من جهود جبارة واستعدادات موائمة لأهمية المنسك ووزنه في الإسلام، تقوم به الدولة بكافة أجهزتها المعنية تنسيقاً وترتيباً وأمناً وتنظيماً لاستقبال ضيوف الرحمن، واستضافة حجاج البيت الحرام، والعناية بهم منذ وصولهم المملكة، مروراً بأدائهم نسكهم ووقوفهم بالمشاعر وتفويجهم وزيارتهم للمسجد النبوي، وحتى مغادرتهم، في جهد وتنظيم وإكرام من غير تمييز ولا تفرقة.
وما تقوم به المملكة من أفضل الأعمال الصالحات، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمن كان يتولى سقاية الحجيج -وهو العباس رضي الله عنه - (اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ).
ورغم هذه الجهود المباركة التي نشاهدها كل عام، مقرونةً بالإنشاءات الأساسية لتوسعة المشاعر وتهيئتها وتسهيلات الدخول للحجاج، والاهتمام بأماكن إقامتهم وتوفير وسائل الراحة والنقل المتطورة، والاعتناء بصحة قاصدي الحرمين الشريفين، إلا أن العين المتحيّزة من بعض الجهات الخارجية، ولمجرد مصالح دنيوية وأخرى سياسية، ما زالت تغض طرفها عن هذه الأعمال الجليلة، ظناً منها أن ذلك يغير من حقيقة العمل ووزنه، مرددين لشعارات فارغة تنم عن نهجهم الفكري وانتمائهم الحزبي، متناسين دعوة الحي القيوم للتمسك بحبل الله والاعتصام به للنجاة من شرّ الفرقة والاختلاف، وهو ما حرصت عليه قيادة بلادنا من تحقيقه واقعاً ملموساً في مشعر الحج؛ بما يجسد للآخرين مفهوم الاعتصام بحبل الله ومفهوم رعاية المشاعر المقدسة بما يسمو بها عن كل الأفكار والتحزبات والأهواء.
وها هي مملكة الخير والرخاء، وجرياً على عادتها الكريمة، تتكفل باستضافة آلاف الحجاج على نفقتها الخاصة في موقف أخوي سامٍ للعموم، ورسالة بليغة للجميع أن رعاية المملكة العربية السعودية للحرمين الشريفين رعاية تستصحب عظم المشاعر المقدسة وخصوصيتها، وأن قلوب المسلمين تهفو إليها عبادةً وقربةً، فكانت المكرمة السامية من خادم الحرمين الشريفين بالتكفل على نفقته الخاصة باستضافة ألف حاج من أبناء الشعب الفلسطيني من أسر الشهداء وذويهم، وألف حاج من أسر شهداء القوات المسلحة والشرطة بجمهورية مصر العربية، إضافة إلى جميع حجاج دولة قطر، وتكفله - حفظه الله - بقوافل حجاج من الأردن.
فالواجب علينا كمسؤولين ومواطنين أن نشكر المنعم جل في علاه على ما حبانا من نعمه، وما مكّن به بلادنا - أعزها الله - من رعاية للحرمين الشريفين وخدمة قاصديهما، وإننا إذ نشكر اللهَ على عظيم نعمته لنتحدث بهذه النعمة إكمالاً للحمد واستكمالاً للشكر {وَأَمّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث} بما قامت به بلادنا المباركة من أعمال عظيمة تجاه البقاع الطاهرة والحرم الشريف من اهتمام وعناية تلاقي وزنهما في القلوب، إضافة إلى خدمة ضيوف بيت الله الحرام والتي نعتز بها وبشرفها العظيم.
كما وأنه لزاماً علينا الوقوف ضد من أعمت بصائرهم الحزبيات المقيتة والأجندة المشبوهة، ممن ينادون بادعاءات مجحفة، بغية تشويه الصورة الحقيقية لمنظومة الخدمات والأعمال المشهودة لبلادنا في خدمة الحج والحجاج والزائرين، بالرد عليهم من خلال إبراز الأعمال الحقيقية والجهود الواقعية، وعدم الانخداع بزيف تلك الادعاءات.
إن هذه الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - يجب علينا أن نفخر ونعتز بما تقدمه من جهود عظيمة للإسلام والمسلمين على اختلاف أعراقهم وجنسياتهم، فهذا الاعتزاز من موجبات حفظ الله لكيان الأمة الإسلامية، وبه تتماسك هذه الدولة الموفقة، ويزيدها قوة على قوتها بتلاحم أبنائها ضد مقاصد أهل الفتن.
فالشرف كل الشرف أن نكون جميعاً في خدمة بيت الله الحرام، مقدمين الغالي والنفيس للذود عن المشاعر المقدسة، داعين إلى الخير، وملبين نداء الوحدة والاجتماع على كلمة الحق.
** **
بقلم/ د. خالد بن محمد اليوسف - رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري