ياسر صالح البهيجان
التوجهات الوطنيّة الكبرى والساعية إلى سعودة قطاعات متعددة في سوق العمل السعودي، خطوة هامة لمنح الكفاءات الوطنيّة فرصًا أوسع للمساهمة في تنمية اقتصادهم الوطني، إلا أن الخطط الاستراتيجيّة منذ عقود كانت تصطدم بواقع يجهض محاولاتها في التحسين، وتحديدًا فيما يتصل بتكتلات العمالة الوافدة، والتي تناصب العداء علانية لأي مشروع يديره المواطن. وتبدأ بالتضييق عليه ومنافسته بطرق غير نزيهة إلى أن يتكبد خسائر فادحة ويختار إغلاق مشروعه.
طموحات شبابيّة كانت جديرة بأن تتحوّل إلى مشاريع جبّارة لولا قوّة تكتلات الوافدين في سوق العمل، وهو ما يضع اليد على العلة الحقيقيّة، ويكشف أسباب عجز وزارة العمل عن إحداث تغيرات جذريّة في مجال سعودة القطاعات الناشئة والحيويّة.
كشف لي شاب ذات مرّة، بأنّ الأزمة التي واجهت مشروعه كانت تتمثل بالموزعين الوافدين الذين كانوا يتعمّدون إهماله والاتجاه بالبضائع إلى متاجر يديرها أبناء جلدتهم، لذا اضطر المشتري إلى الذهاب للمحلات التي توفّر ما يريد، بعد أن وجد متجر صاحبنا مقفراً وليس لديه سوى نوعيات محدودة من المنتجات التي يبحث عنها المستهلك.
سعودة قطاع التوزيع وفرض رقابة صارمة عليه، خطوة هامّة لحماية مشاريع المواطنين من جشع تكتلات الوافدين، ومن الضروري أن تولي وزارة العمل هذا الجانب أهميّة كبرى إن أرادت أن تحقق تحولات جوهرية في سوق العمل، أمّا مساعي السعودة والدعم والتمويل وحدها ليست كافية ما دام السوق غير خاضع لسيطرة من لديهم حسٌّ وطني ورغبة في إنجاح مشاريع أبناء الوطن الطموحة.
مشاريع المواطنين الصغيرة لا يمكن لها أن تنمو دون بيئة تنافسيّة صحيّة تحدّ من هيمنة العمالة الوافدة، وتنطلق من خطوة تفكيك تكتلات الوافدين التي أضرّت بالسوق وتلاعبت بأسعاره وحرمت المواطن من أسباب النجاح. وهذه المهمّة ملقاة على عاتق وزارة العمل أولاً، وكذلك إمارات المناطق وأماناتها، دون أن نغفل دور وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك، إذ إن عمل تلك الجهات بصفة مستقلة لن يسهم في حل الأزمة من جذورها نظرًا لتداخل اختصاصاتها، وتنوعها ما بين جهات تنظيمية وتشريعية وتنفيذية.
تنظيم سوق العمل وتحديد صلاحيّات العمالة الوافدة، لابد أن تسبق خطوات السعودة الحقيقيّة، أمّا إن ظل السوق بصورته الحاليّة فإنه لن يتمكن إطلاقًا من جذب المواطنين، وسيسهم كذلك في تفاقم أزمة السعودة الوهميّة، ولن يساعد في زيادة نسبة العمالة الوطنية في القوى العاملة، ولن يقي الشباب من البطالة.