د. خيرية السقاف
واتسع عمار البيت العتيق..
وتعدّدت, وتكاثرت محطات القدوم..
ومُكِّن الحجيج من الزيارة بلا حدود, بلا قيود..
وكان هذا يتطلّب الكثير الذي لا يخطر على بال من لم يتعوّد إدارة الحشود..
جُنِّد لهم الإنسان, والنظام, والآلة, والمقدرات من ماء للسقيا, وغذاء للأود, ومسكن للإيواء, ومركبة للتنقل, ومتاجر للتموين, ومرشدين للضالين, ودعاة للجاهلين,
وأمن يحيطهم بالحماية, والعناية, والحدب, والحب ..
ومن قبل وبعد, صبر وابتسامة, وزند, وصدر, وعين, وسمع كلها موقَدة, موفَدة لهم..
حتى البيوت الكبيرة التي ظلت تفتح أبوابها فبمواصفات أُقرَّت لضمان راحتهم, وسلامتهم اتقاء حريق, أو تعثُّر عاجز منهم..
حتى المنعطفات, والشوارع, وجوار البيوت حيث كان الباعة المتجولون يبسطون بضاعتهم, تحولوا تحت مظلة الترتيب, والنظام لمواقع خصصت, وأرصفة مُهدت لضمان السير الآمن المريح لهم, في سعة, وراحة, ليكون تنقلهم بلا عناء, ولا مشقة..
مكة للحجيج موقد أرواح باذلة, وعقول واعية, وحس يقظ على مدار الثانية, واللمحة من زمن لا حدود له بيوم, ولا بشهر, مذ يصلون وإلى أن ينعقد زمام الحج, ويجتمع الجميع نحو مشاعره المقدسة, فمغادرة الزمان والمكان له, كل من في مكة من أجلهم
فهم من كل حدب وصوب يقصدونها..
وقد صدق إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام النية حين بنيا أول بيت لقبلة المسلمين, فأجاب الله دعوة إبراهيم لمكة ومن فيها على مر الدهور, والأزمان, يأتونها من كل فج عميق, ويمدها الله تعالى بخيراته الكثيرة, ونعمه التي لا تنفد لا مواسم لها فتتأخر..
وكما أمدها تعالى بالنِّعم, أمدها بخيراته من النفوس المخلصة, والعقول المدبرة, والأيدي السخية, والجهود المتفانية, والأنظمة المدروسة, والخطط المتجددة, والتنفيذ الصارم, والوفاء بالواجب الحازم دون كلل, ولا ملل..
الجميع فيها على قدم وساق في خدمة ضيوف الرحمن..
وأي ضيوف؟
إذا كانت العناية بالضيف سلوكاً متجذّراً, وقيمة عظمى في الناس هنا ممن يزور داراً, وينزل بمكان خاص أو عام..
فإنّ الرعاية, والضيافة للحجيج , والمعتمرين تفْضُل, وتتضاعف, وتأخذ حسّاً آخر حين هي لضيوف الإله, الرب العظيم, من لا مساومة في طاعته, ومحبته, والامتثال لأمره, فقد كلَّف وشرَّف..
والجميع في هذا على أهبة اللمحة, ومنتهى الرضا, وغاية البذل..
مكة تفتح ذراعيها نموذجاً لهذا الوطن الكبير فيها حين الوقت حج, وحين هو زيارة, وحين هي مرجع المسلمين كافة..
والحج لوجه الله تعالى لا غاية في خدمته إلا رضاء الله , وتمكين السعادة به في قلوبنا..
فحجاً مبروراً, وسعياً مشكوراً أيها الضيوف الأعزاء من كل صوب,
وبكل الألسنة, والألوان.
وإن الله أكبر, الله أكبر, ولا إله إلا الله, والحمد لله.