عبد الله بن حمد الحقيل
في هذه الأيام، ومع اقتراب موسم الحج، أخذت هذه البلاد في استقبال ضيوف الرحمن، وتوفير أقصى متطلبات الراحة والهدوء لضيوف الرحمن؛ حتى يؤدوا مناسكهم بأمان واطمئنان. والحج كما جاء في القرآن الكريم {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ...} (197) سورة البقرة. وعلى المسلم أن يلتزم بما أُمر به رسوله - عليه الصلاة والسلام - وبما أكده وقاله في حجة الوداع {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة. إنها فرصة لتلاقي القلوب والأرواح على قلب واحد، وسلوك إسلامي قويم.. إنها معان سامية، يهدف إليها الحج، وما زال قبساً وضياءً، يضيء جنبات النفوس.
وهكذا تستقبل هذه البلاد بالبشر والترحاب حجاج بيت الله، يأتون من فجاج الأرض ومختلف أقطارها، يرفعون أصواتهم بالتهليل والتكبير والتلبية (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). والحج أحد أركان الإسلام، وعبادة تقوم على الإيمان والتوحيد والإخلاص والخشوع والإنابة إلى الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة. هكذا يعلمنا الله أن نؤدي هذا الركن بكل إيمان وخشوع وخضوع وعبادة وطاعة وسكون وهدوء وأدب.
إن الحج لمظهر رائع، وعنوان عظيم، تتحقق من خلاله الأخوَّة والمساواة.. فما أجدرنا أن نتعرّف على الحِكم العظيمة في ذلك، والمنافع الكثيرة والمقاصد الشرعية كما قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (27) سورة الحج. وما أروع الأهداف والمنافع والغايات السامية للحج؛ إذ يتجرد الناس من زينتهم وثيابهم ونزعاتهم وأطماعهم وأنانيتهم، وينفضون عن أنفسهم شوائب الدنيا وآثامها ورواسب الخطايا، وتسري في قلوبهم وأفئدتهم دفقات الإيمان وينابيع الخير والمحبة والمودة والصفاء، ويبذلون النفس والنفيس في سبيل الله، ويتعلمون في الحج دروساً شتى في الصبر والإيثار والتضحية وقوة الإرادة والاحتمال وضبط النفس والبُعد عن الغضب، والعفو والتسامح والتكافل.. إذ يرتدون لباساً واحدًا، ويرددون دعاء واحدًا، لا فرق بين غني وفقير، وكبير وصغير، لا ترفُّع ولا استعلاء، بل محبة ومودة وتطلع إلى عفو الله ورحمته ومثوبته العظمى.
إن الحج لدرس عملي ومنهج خالد، يربط بين الجميع بروحانية طاهرة وصفاء ديني سليم.. فكم فيه من عظات؛ إذ تتلاقى القلوب والأفئدة حول معاني الحج وفهم غاياته والتقرّب إلى الله به.. ولا شك أن إنجازات المملكة في مكة المكرمة والمدينة المنورة من توسعة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ستمكِّن الحجيج من أداء حجهم بيسر وسهولة واطمئنان.. ونتمنى للجميع حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا. والله الهادي والموفق إلى سواء السبيل.