محمد آل الشيخ
أزمة قطر مع دول المقاطعة الخليجية ومصر أخذت في الأيام القليلة الماضية منحًى جديدًا بعد أن اتخذت السلطات القطرية تصرفًا لا يُفسر إلا بتفسير واحد وهو إقحام السياسة في مسائل العبادات الدينية، وهي -بالمناسبة- التهمة التي اتهمت قطر بها المملكة في البداية، ثم، وبغباء وحمق، مارست ما كانت تتهم الآخرين به؛ وليس ثمة مبرر واحد مقنع لإقدام السلطات القطرية على منع مواطنيها من أداء هذه الفريضة إلا هذا المبرر؛ فالمنع بحد ذاته كان لأسباب سياسية تتعلق بقرار المملكة قطع علاقاتها معها، فجاء هذا القرار المتعجل والطائش وغير المحسوب كردة فعل قطرية على المقاطعة، ولا يمكن أن يكون لهذا المنع إلا هذا السبب.
ويبدو أن الأزمة تكبر وتتسع وتتفاقم مع مرور الوقت، وأظهرت هذه الأزمة الدبلوماسية القطرية بأنها عاجزة عجزا واضحا في استقطاب حلفاء ذوي قيمة تساند موقفها، اللهم إلا إيران المحاصرة بالعقوبات الدولية، وتركيا التي يشهد اقتصادها تدهورا واضحا نتيجة للانشقاقات السياسية الداخلية، ومشكلة الأكراد المستعصية التي تستنزفها في سوريا، فضلا عن علاقاتها المضطربة مع دول الاتحاد الأوربي، وبالذات مع الدولة الأقوى في الإتحاد ألمانيا؛ لكل ذلك لم تجد الدبلوماسية القطرية مفرا من ورطتها إلا استنساخ تجربة ملالي الفرس، وتبنيها وهي تسييس الحج بعد منعهم مواطنيهم في إيران من الحج في العام الماضي، رغم أن الفرس أنفسهم جربوها وعادوا منها في نهاية المطاف بخفي حنين.
وفي تقديري أن حمد بن خليفة لا يمكن أن يتحمل الضغوط مدة طويلة، وبالتالي فإن الزمن يتجه إلى تفاقم الورطة القطرية أكثر، خاصة أن نهج السلطات القطرية التي اعتمدته، وتسير عليه، بمحاولة استقطاب حلفاء أقوياء وإنفاق المال بسخاء على إغراء من تستهدفهم لمساندتها سياسيا، ومن الواضح أن أسلوبا كهذا لم يحقق مردودا يمكن الاعتماد عليه، كما أن (الإعلام) الذي يعتقد حمد بأنه القوة الناعمة، التي تضاهي القوة الصلبة، لم يتركه أضداده له وحده كما كان الأمر في بدايات الربيع العربي، حيث كانت قناة الجزيرة الفضائية تسيطر على الفضاء الإعلامي العربي، بل لن أكون مبالغا لو قلت إن دول المقاطعة، بالتفاف أغلب شعوبها على قياداتها، شكلت قوة ناعمة تفوقت على منصة قطر الإعلامية، وهذا ما هو واضح وجلي في مجال (السوشيال ميديا) غير أن تفكير حمد، ومعه تفكير حمد الآخر وكذلك مستشارهما المفضل أيضا "عزمي بشارة" ما زالوا يعاندون ويكابرون، ويرفضون رؤية الحقيقة كما هي على أرض الواقع؛ وهذا ديدن الفاشلين المهزومين، كبرياؤهم تأبى عليهم الإذعان لمعطيات الواقع والتعامل معه.
وعلى أية حال، فليس لدى دول المقاطعة ما تخسره جراء مقاطعة قطر، فقطر تعاني الآن من حاضر يسعى بخطى حثيثة إلى مستقبل مشؤوم.
إلى اللقاء