1- ما أروع ما فعله الأنصار وأدبهم وجمال تعبيرهم، لما أُسر العباس - رضي الله عنه - عمُّ النبي , حيث استأذن رجال من الأنصار النبي فقالوا : «ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه», فقال: «لا تدعون منه درهمًا واحدًا»، فالأنصار أخوال أبيه عبدالمطلب (أخوال والد العباس) وهي درجة قرابة أبعد من قرابة العباس للرسول، ولم يقولوا: ( ائذن لنا فلنترك لعمك فداءه) حتى تكون المنّة من الرسول ، وهذا من عظيم الأدب والذوق، ففرق بين أن تقول لشخص: (امض معي إلى بيتي أطعمك)، وقولك: (هل تتفضل عليَّ وتشرفني!). وفرق بين أن تقول لأحدهم: (لن آتي في موعدي) و قولك: (هل تأذن لي في التأخر؟)
2- يذكر أنّ فتاة إنجليزية كانت تعمل بمكان ويعمل معها فيه مسلمان عربيان، فكانا يتحدثان بالعربية سويًّا، فإذا حضرت هذه الفتاة أكملا حديثهما بالإنجليزية، وحدث ذلك أكثر من مرة، حتى لاحظت الفتاة، وسألتهما: لمَ تفعلان ذلك؟ فأخبراها أن ذلك من السنّة في دينهم، وأنّ النبي هو الذي أمرهم بذلك، وهنا قالت بالنص: «نبيكم هذا حضاريٌّ جدًا»، فأسلمت هذه الفتاة بعدها بـ 6 أشهر، وتقول: «إن أول ما دخل قلبي من الإسلام كانت هذه الذوقيات العجيبة».
3- يحكى أن (لويس الثالث عشر) ذهب لزيارة (ريشلي) أحد وزرائه؛ حيث كان مريضًا ومستلقيًا على سريره، وعندما دخل عليه الملك كان الموقف حرجًا، إذ إن القاعدة تقضي بمنع الوزير من البقاء مستلقيًا بينما يظل الملك واقفًا أو جالسًا، فما كان إلا أن استلقى الملك بجانب وزيره، وقد زال بذلك حرج الموقف.
4- دخل سيدنا أبو بكر مع النبي يوم الهجرة ولم يعلم أهل المدينة بعد أيهما رسول الله، وكان أبو بكر متقدمًا براحلته، فظن الناس أنه النبي، فأخذوا بخطام ناقته، فلم يشأ أن يحرجهم، فأخذ بعباءته وظلل بها النبي ، ففهم الناس. وجروا جميعهم نحو ناقة النبي.
5- نادى المأمون ذات يوم على أحد خدمه: يا غلام يا غلام! فلم يجبه، ثم نادى أخرى وصاح: يا غلام! فدخل غلام تركيٌّ وهو مقطب الجبين، وقال للمأمون - وهو من يحكم أكثر من ثلاثين دولة بمقاييس اليوم -: أما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلما خرجنا من عندك تقول: يا غلام يا غلام، إلى متى يا غلام؟! فنكس المأمون رأسه وقال: حسُنت أخلاقنا فساءت أخلاقهم، والله لا نقدر أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاقهم!
6- وضع المعتضد الخليفة العباسي رأسه يومًا في حجر زوجته قطر الندى، ونام، فتلطفت في وضع رأسه عن حجرها، ووسدته وخرجت. فلما استيقظ ذعر وناداها، فقال: أسلمتُ نفسي إليكِ فذهبت عني؟ قالت: إن مما أدبني به أبي أن لا أجلس مع نيام، وأن لا أنام مع جلوس. (المخلاة)
7- قيل للعباس بن عبد المطلب: أنت أكبر أم رسول الله ؟ فقال: أنا أسنُّ ورسول الله أكبر! وفي هذا التلطف رسالة لمن يلقي الكلام على عواهنه فلا يقدِّر كبيرًا ولا يحترم صغيرًا.
8- وقال الحجاج للمهلب: أنا أطول أم أنت؟ فقال المهلب: «الأمير أطول وأنا أبسط قامة».
9- قال المأمون للسيد بن أنس: أأنت السيِّد؟ قال: «أنا ابن أنس، وأمير المؤمنين هو السيد».
10- دخل المعتصم دار وزيره خاقان يعوده، فمازح ابنه الفتح، وكان عمره سبع سنين، فقال له: يا فتح، أيهما أحسن، داري أم داركم؟ فقال الفتح: «يا أمير المؤمنين، أيَّ الدارين كنتَ فيها فهي أحسن!»
11- دعا الرشيد خزيم بن أبي يحيى يومًا إلى مائدته، فلما توسط الأكل، رفع الرشيد رأسه إلى رجل ليكلمه بالفارسية. فقال خزيم: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد أن تسر إليه فإنني أعرف الفارسية، فمرني أن أتنحى لتكلمه بما تشاء! فأُعجِب الرشيد بصدق خزيم وكرم أخلاقه.