محمد المنيف
ليس هناك أشد من الأسى على ضياع فرصة الاهتمام بالإصدارات التشكيلية المتعلقة بثقافة ووعي القارئ المهتم بهذا المجال، والمتعلقة بأمور فلسفة الفنون المتعددة وجمالياتها والنقد الفني، وكيف تمكن الإنسان من نقل تلك الجماليات إلى كل مواطئ قدمه وعلاقتها بالمجتمعات والأفراد، إضافة إلى التعريف بارتباط الفنون بالتراث المادي أو الموروث اللفظي مع كشف سبل تواصلها بين الشعوب، من خلال الرحلات التجارية التي أسهمت في تبادل خبرات الصناعات والأعمال الإنشائية التي تحتاج للصبغة أو الأشكال الجمالية، وكيف نقل المستشرقون جمال الشرق ولماذا تأثر فنانو الغرب بالشرق.
ذلك وغيره من الثقافة البصرية والتراثية التي تحتاج إلى إصدارات تتم بتنظيم وإعداد بحوث وندوات ومحاضرات غنية بالفكر والشواهد والوثائق والمراجع، لمن تمكن من حصد المعرفة بتاريخ الفن وأصول النقد والبحث محلياً، وممن تلقوا الدراسات خارج الوطن، وباستقطاب أصحاب التخصصات في العالم أجمع كل ذلك غابت فرص إنجازها كإصدارات في كلا المرحلتين اللتين تعدان الأكثر أهمية في مسيرة الفن التشكيلي السعودي والمتمثلة، في مرحلة دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب في إدارة الفنون التشكيلية، ثم في مرحلة وزارة الثقافة والإعلام، وأعني فترة ووجود الميزانيات الكبيرة للفنون التشكيلية التي وجهت وانحازت وحصرت في دعم المعارض والمسابقات وطباعة الإصدارات التي تشتمل على مقدمات باسم سمو الرئيس العام أو معالي الوزير أو من ينوب عنهم من الوكلاء، يليها استعراض لصور اللوحات الفائزة أو ما يتم اختياره من اللوحات أو لكل ما في المعرض، بتصغير الصور لتستوعبها تلك الإصدارات وأحياناً يضاف بعض القراءات الانطباعية الباهتة.
هذه الموجة أو التوجه في الإصدارات أوجد ضبابية أو غفلة أو جهلاً ممن كان يدير الفنون في تلك الجهات، عن ما ينبغي من إصدارات تخدم الفنون البصرية التشكيلية بكل فروعها وثقافتها وعوالمها، كما فعلت هيئة الثقافة والفنون دائرة الفنون في الشارقة، التي أصدرت العديد من عناوين الكتب والبحوث التي تشكلها نتاجات الندوات التي تقام لكل مناسبة أو فعالية أو مهرجان، فأغنت المكتبة الثقافية التشكيلية وأصبحت علامة مسجلة لتلك الهيئة والإدارة.
فهل هناك توقع أو أمل أن تلتفت وزارة الثقافة والإعلام لهذا الجانب؟.