ياسر صالح البهيجان
تعد مركبات الأجرة واجهة حقيقية للمدن، وكفيلة للدلالة على مدى تطور المدينة ومستوى الحياة فيها؛ إذ إن جودة خدماتها تؤكد حجم الاهتمام بوسائل النقل بوصفها الشريان الرئيس داخل أي مجتمع للتنقل من وجهة إلى أخرى، وتميُّزها يشير أيضًا إلى إمكانية نجاح المدن في تحقيق الازدهار والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء.
واقع سيارات الأجرة في مدننا ليس في أفضل حالاته؛ فثمة حالة فوضى في المركبات.. معظمها يجوب الشوارع بطريقة عشوائية، ودون أن تحمل راكبًا واحدًا، وكثير منها قديمة ومترهلة، وغير خاضعة للصيانة الدورية، وهي لا تشوه الطرقات فحسب، بل تتسبب كذلك في تزايد حالات الاختناقات المرورية في الشوارع الرئيسية، فضلاً عن تسببها في حوادث كارثية، قد ينتج منها أضرار جسيمة.
الشركات المشغِّلة لمركبات الأجرة في معظمها لا تلتزم بالمعايير المحددة؛ إذ تستقدم عمالة لا يجيدون القيادة، وأحيانًا تستمر في نشاطها رغم توقف خدماتها وعدم تجديد تراخيصها التي تخول لها ممارسة هذا النشاط؛ ما يجعل المسؤولية تقع على عاتق وزارة النقل بعد أن كشفت دراسة حديثة أن هناك 46 في المائة من سيارات الأجرة في المملكة تراخيصها منتهية.
لدى وزارة النقل العديد من الدراسات التي تعتقد أنها جديرة بحل الأزمة الراهنة، لكنها لم تترجم تلك الأفكار على الأرض. واستمرار الوضع الحالي من شأنه أن يعطل عجلة التنمية في المجتمع، ويعرقل الرغبة الحكومية في التحول الاقتصادي الجديد؛ ما يفرض على الوزارة المسارعة في طرح الحلول المناسبة لتحسين قطاع النقل داخل المدن، وأن تسن ضوابط ملائمة للرفع من جودة القطاع بما ينسجم مع طبيعة المرحلة.
النجاح في تطوير عمل سيارات الأجرة لا بد أن يرتبط بتحسينات شاملة، تطول جوانب النقل العام كافة، وأن يأتي ضمن منظومة خطط استراتيجية، تأخذ بعين الاعتبار حجم تمدُّد المدن، وتزايد أعداد سكانها، وأن تشترك مع الوزارة أمانات المناطق والهيئات التطويرية والبلديات المعنية في ظل تداخل اختصاصاتها، وأن يجري كذلك تفعيل دور هيئة النقل العام التي من مهامها تنفيذ خطط النقل العام على مستوى المملكة، والتأكد من توافر التمويل لأنشطة النقل العام من مصادره المختلفة، وتحديد شبكة خطوط النقل العام ومساراتها ومواقع مرافقها، ووضع مواصفات وسائط النقل العام، ومنح التراخيص والتصاريح، واقتراح آلية لتنظيم أجور النقل العام، وتوفير الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات في هذا المجال.