د. علي بن صالح الخبتي
هناك خبر سعيد للوطن والمواطنين نقله تقرير مكتب الولايات المتحدة الأمريكية للمخترعات USPTO هذا الشهر يقول إن المملكة العربية السعودية في شهر يونيو من هذا العام 2017م احتلت المركز 23 بين دول العالم في عدد المخترعات.. فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني ثلاثة أمور؛ الأول: أن بلادنا -ولله الحمد- تساير العصر في بناء اقتصادها على «اقتصاد المعرفة» الذي لا ينضب.. وتخبرنا التقارير أن العالم المتقدم في الوقت الحاضر يعتمد بنسبة 50 في المائة من اقتصاده على «اقتصاد المعرفة» وهو يسعى جاهدا لإكمال الـ 50 في المائة الأخرى على هذا الاقتصاد.. لماذا؟ لأنه الاقتصاد الذي لا ينفذ بعكس بقية أنواع الموارد التي كان يعتمد عليها العالم من بترول وغيره القابلة للنفاد.. وهذا الخبر سعيد جداً .. فقد كانت المملكة العربية السعودية في عام 2015م تحتل المركز 37.. والتقرير الحالي يبشرنا بأننا سائرون في الاعتماد على موارد غير قابلة للنفاد.. وإذا ما أردنا أن نعرف أهمية هذا التقرير فلننظر إلى جانب واحد فقط من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية التي أنتجت إحدى جامعاتها، وهي MIT، التي تدر مخترعاتها (جي بي إس) (إم آر آي) (سيلير فون) بلايين الدولارات على الاقتصاد الأمريكي.. وربطت جامعة هارفرد تخصص العلوم مع تخصص الصناعة حتى يتم تحويل أي مخترع علمي إلى شركة تقوم بتصنيعه وإنتاجه للسوق العالمي خلال فترة وجيزة بعضها لا يتعدى شهراً، منهية بذلك البيروقراطية التي عادة ما تؤخر الإنجاز أو تعيقه، حتى أن أحد التقارير قال إن أحد الأساتذة في هذه الجامعة حول مخترعه إلى شركة خلال شهر واحد فقط وقامت بتوظيف أكثر من ألف عاطل عن العمل، مسهمة بذلك في دعم الاقتصاد والمساهمة في حل مشكلة البطالة.. ثانياً: مثل هذا التقرير الذي يبين تقدم بلادنا في عدد المخترعات يرد على من يتهمنا بالتخلف في التعليم، وأننا لا نساير العصر، وأن تمسكنا بديننا وعقيدتنا ومثلنا وقيمنا عائق لتقدمنا.. نقول لمثل هؤلاء هذه شهادة من مؤسسات علمية لا تجامل تؤكد أننا نتقدم وأننا نسير في الاتجاه الصحيح في تبني برامج تدعم الاقتصاد وتساير العصر وتضمن بتوفيق الله عدم الاعتماد على موارد اقتصادية مآلها النضوب.. ثالثاً: في رؤية المملكة 2030 وبرامج التحول 2020م تم التركيز على تبني موارد اقتصادية لا تنضب.. ولهذا يأتي هذا التقرير ليؤكد نجاح الخطط التي ترسمها بلادنا لأن المخترعات تتحول إلىركات منتجة تسهم في الاقتصاد وتساهم في حل مشكلات متراكمة مثل مشكلات البطالة والاعتماد على موارد غير مستقرة وما يترتب على ذلك من مشكلات نعرفها جميعاً.. إن مثل هذا التقرير يمثل نجاحاً باهراً لبلادنا يحق لنا كمواطنين أن نفتخر به ونباهي به وندافع به عن بلادنا في مختلف المناسبات والمنتديات والمنابر كل ما سنحت لنا الفرصة.. هذا من جانب.. ومن الجانب الآخر من المؤكد أن القائمين على تنفيذ برامج التحول 2020م ورؤية 2030م يتلقفون مثل هذا التقرير بحماس لأنه يمثل نجاحاً لبرامج التحول وكذلك الرؤية التي أكدت جميعها على عدم الاستمرار على النفط الذي يمثل حوالي 90 من اقتصادنا.. ولهذا من المؤكد أن القائمين على البرامج يسعون كما يفعل العالم المتقدم إلى تبني برامج وخطط تعجّل من تحويل هذه المخترعات إلى شركات منتجة.. عدونا الأول هو الوقت. نقدر لتلك الجهات التي رعت تلك المواهب حتى أوصلتها إلى هذا المستوى، لكن ليس من مهام تلك الجهات إكمال المسيرة. ولهذا قد يكون من المناسب جداً تأسيس هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة بكوادرها وميزانياتها لتحويل اختراعات مواطنينا إلى شركات منتجة حتى لا ننزلق في نمطية الروتين وسرد مبررات غياب الدعم والتمويل أو أي مبررات أخرى تضع مثل هذه الإنجازات على الرفوف تكوِّم الغبار.. ونحن لا نريد ذلك.. نريد هيئة مستقلة تعد خططاً وسياسات تتجاوز الروتين وتتجاوز التبريرات لنرى مصانع قد قامت وشركات قد أسست لنجني ثمار هذه الاختراعات في وقت قياسي، هذا فيه أيضا تعجيل لتنفيذ برامج التحول والرؤية.. لتتحول هذه الابتكارات إلى صناعات تحول بلادنا إلى دولة متعددة مصادر الدخل غير القابلة للنضوب، واقتصاد معرفة مساير للعصر.
والخطوات المتحققة في وصول موهوبينا إلى هذه النتائج الباهرة هي على الطريق الصحيح، وأرى أنه من الضرورة تأسيس هيئة للمخترعين تركز فقط على هذه المهمة. مساعدة المخترعين على تأسيس شركات ومصانع ينعكس أثرها إيجابياً على مشكلة البطالة بشكل خاص وعلى اقتصاد الوطن بشكل عام. إنها تحقق لنا اقتصاد المعرفة، هذا الهدف الذي أصبح سمة بارزة من سمات عصرنا الحاضر. وخلاصة القول.. نحمد الله على هذا الإنجاز النوعي لبلادنا.. ونسأل الله أن يتبعه إنجازات وإنجازات تحقق لبلادنا ما تستحقه من مكانة متقدمة بين الأمم فهي تمثل العمق الإسلامي للمسلمين بحكم الخصوصية التي تتمتع بها كمنبع للرسالة وحاضنة للحرمين الشريفين وقبلة المسلمين وأرض الرسالات.. هذا الإنجاز المتحقق هو دليل مادي وليس قصة جميلة مكتوبة بلغة بليغة للرد على المشككين في قدراتنا وتعليمنا ومواطنينا بأننا نساير العالم المتقدم ولسنا أقل منه.. وأننا سائرون -بعون الله وتوفيقه- لتحقيق أهدافنا التي رسمناها وأننا نشهد في الطريق شواهد وأدلة وأمثلة على نجاح خططنا وسياساتنا وبرامجنا.. فحمداً لله وشكراً لله أولاً وأخيراً على كل ما تحقق. وسيتحقق.