زكية إبراهيم الحجي
تعد ظاهرة الاتجار بالبشر بما تتضمنه من خطورة على المجتمعات ظاهرة تاريخية.. فقد عرف التاريخ القديم وعبر عصوره المختلفة هذه الظاهرة من خلال تجارة الرق التي كانت منتشرة في مجتمعات وشرائع العهود السابقة كالبابلية واليونانية وفي العصر الجاهلي أيضاً حيث كان الرق وخطف النساء وسبي النساء زمن الحروب والمعارك حتى أنه بات يُعتبر جزءاً من غنائم الحروب للأطراف المنتصرة.
يمثل المفهوم الدقيق للاتجار بالبشر في المخالفة الواضحة والصريحة للطبيعة الإنسانية.. إذ يُنظر للإنسان «طبقاً لهذه الجريمة» من مخلوق كرَّمه الله عز وجل إلى سلعة يتم تداولها كنشاط تجاري شأنه شأن أي سلعة إلا أنها ذات طبيعة خاصة باعتبار أنها سلعة متحركة ومتجددة بحسب ظرف الزمان والمكان والوضع الاقتصادي السائد.
وتعتبر ظاهرة الاتجار بالبشر ظاهرة دولية ولا تقتصر على دولة معينة.. إنما تمتد لتتخطى الحدود الجغرافية وتشمل العديد من الدول مع اختلاف في أنماطها وصورها طبقاً لرؤية كل دولة لمفهوم هذه الظاهرة ومدى احترامها لحقوق الإنسان.. وفي دراسة صادرة عن مركز دراسات اللاجئين بجامعة أكسفورد اعتبرت تجارة البشر ثالث أكبر نشاط إجرامي وأهم مصادر الدخل غير المشروع والاقتصاد الخفي بعد تجارتي السلاح والمخدرات
اتفقت الأدبيات المتعلقة بظاهرة الاتجار بالبشر على أن تفشي الظاهرة عالمياً من أهم التحديات وأخطر القضايا التي تواجه المجتمعات في القرن الحالي بل اعتُبِرت نوعاً من الرق الحديث الذي يتعدى المفهوم التقليدي للرق إلى مفهوم الاستغلال..وضحايا هذه الظاهرة المتفشية في العالم تشمل نساء وأطفالاً.. وما يؤسف له حقاً أن ملامح هذه الظاهرة اتسع نطاقها بشكل يكاد يصعب السيطرة عليه تماماً وأما تأثيرها فبات يمس غالبية المجتمعات نظراً لأن صور هذه الظاهرة تتراوح ما بين التسول والخدمة المنزلية القسرية.. واستخدام الأطفال والفتيات القاصرات في المجالات الإباحية وإجبارهن على ممارسة الرذيلة خاصة في النزاعات المسلحة حتى المرضى العقليين لم يسلموا من هذه الجرائم الشنيعة.
إن الطبيعة الخاصة لجرائم الاتجار بالبشر منشؤها أسباب عديدة.. تنحصر في مجملها وبتفاوت ما بين ظروف اقتصادية وسياسية وأمنية، وتزداد صعوبة هذه الأسباب وتتعدد مستويات التصدي لها والحد منها إذا ما عرفنا أن هذه الجريمة أصبحت اليوم تتم في إطار الجريمة المنظمة والعابرة للحدود.. لذلك فإن سبل مكافحتها تحتاج إلى اعتماد إستراتيجية للتعاون الداخلي والدولي.
إن جريمة الاتجار بالبشر تمثل تهديداً للسلامة الشخصية والأمن الإنساني بأكمله.. والتعاون الدولي الأمني لا يكفي وحده لمواجهة الظاهرة، فالصورة تتطلب إلى وضع قانون صارم يُلزم الدول بعدم التسامح حيال هذه الظاهرة حيث يشير الواقع إلى تفاقمها وازدياد انتشارها في العالم.