أ.د.عثمان بن صالح العامر
في الدنيا حق وباطل، وبينهما أمور مشتبهات، الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد والإعلام و... في كل مجال من مجالات الحياة حق وباطل، والتحدي المطروح على كل منا بصفته الشخصية أن يعرف هذا وذاك، ويعمل بما عرف، ويكون وقافاً عند الحق لا يتعداه.
نظرياً قد يبدو الأمر سهلاً، ولكن عملياً الأمر في غاية الصعوبة إلا على من رزقه الله الهداية والتوفيق والعون والسداد.
الاختلاف بين الناس في هذا يبدأ أولاً في تحديد ماهية كل منهما (ما الحق في هذه القضية، وما الباطل هنا؟)، وهذا الاختلاف نتاج طبيعي لاختلاف البشر في المرجعيات الأيديولوجية التي يعتنقونها ويؤمنون بها، وكذلك سلامة المدارك العقلية لدى المتلقين، وخلو ذهنياتهم من ترسبات المدركات المسبقة والشبه المظلمة وطهارة قلوبهم من الران والهوى الذي يجعل الواحد منا يصاب غالباً بعمى الألوان، فيختلط عليه الأمر ولا يستطيع التفريق بين الأمرين، ومن ثم يفقد القدرة على ضبط بوصلة التفكير لديه، فضلاً عن هذا وذاك الزاوية التي ينظر من خلالها لهذا الأمر فيقرر حقه أو باطله، ومن نافلة القول هنا أن هناك من ينبرون للتشويش والتلبيس على بني آدم حتى إنهم يرونهم الباطل حقاً والحق باطلاً، وهم كثر عبر التاريخ خاصة في عالمنا المعاصر الذي سهل فيه الوصول لشرائح عريضة في المجتمعات بضغطة زر ومن كل الفئات وفي جميع ميادين الحياة، وهذا جزماً صعّب المهمة على كثير منا حين يريد التفريق والتمييز بين طرفي المعادلة في هذه الدنيا المتلاطمة الأمواج «الحق» و»الباطل».
وبناء على الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالناس إزاء الحق أياً كان جنسه أو لونه أو طعمه ومذاقه على أصناف عدة هي بإيجاز:
- يرى الحق حقا.
- يرى الحق باطلا.
- يرى الحق حقاً ولم يرزق اتباعه.
- يرى الحق حقا ورزقه الله اتباعه.
- يرى الحق حقاً ولم يرزق اتباعه ولكنه يسوق له ويرشد إليه.
- يرى الحق حقاً ورزقه الله اتباعه والدعوة له وإرشاد الناس إليه، وهذا أفضل الخلق على الإطلاق في هذا الباب.
- يرى الباطل باطلا.
- يرى الباطل حقا.
- يرى الباطل باطلا ولم يرزق اجتنابه.
- يرى الباطل باطلاً ورزقه الله اجتنابه.
- يرى الباطل باطلاً ولم يرزق اجتنابه، فضلاً عن هذا فهو من يزينه في عيون الناس ويشرعنه لهم.
- وأشد منه من يرى الباطل حقاً ويقترفه بنفسه على أنه حق ويشرعن للخلق ويزينه في عيون عباد الله والعياذ بالله.
- يرى الباطل باطلاً ورزقه الله اجتنابه والتحذير منه والرد على مسوقيه ومشرعينه للخلق.
والإسلام حتى يقيك الانزلاق في هذا المنعطف الخطير، ويجعلك ممن يرى الحق حقاً ويرزق اتباعه ويرى الباطل باطلاً ويرزق اجتنابه، وضع لك قواعد هامة لتنجو بنفسك من مهاوي السقوط، أترك الحديث عنها إلى مقال الثلاثاء القادم بإذن الله. دمتم بخير وعشر مباركات، والسلام.