د. خيرية السقاف
للحج في ذاكرتنا منازل لا تعتريها وحشة سوى الشوق..
ولا تقطنها طيوف سوى الأهل..
للحج في قلوبنا أرائك تعمرها شجر تجذّرت أصولها حتى تعرَّشت غصونها فيها,
وأفاءت..
الحج حين يأتي ليس فقط هو أيام ويطيب فيها الذِّكر..
ولا لياليَ وتنعم بالسهر..
ليس ضحوات مترفة بالحيوية.. ولا صباحات تترنم بالصحو..
ليس هو كل ذلك دون غير..
إنما هو موعد مع الرب, وفيضة القلب,
وتفرُّد الانتماء، وخاصة التكليف !!..
موعد مهيبٌ مع وهج الحمد, وغاية البلوغ..
مع أنّ الرب في المعية نبضة نبضة, أقرب إلينا «من حبل الوريد»
ما تنفَّسنا, شهقنا, وزفرنا..
سمِعنا, ونظرْنا..
رجونا, وطمعنا
فوق وفوق, وما فوق لمناف الجنة..
الحج موعدنا مع العطاء, محطتنا للاستزادة , مقايضة الذات فينا بما للذات منا..
تفيض ذواتنا بما ثقلت, تُفرغ ما احتوت, تُسقى بهباته, تغرف وترتوي..
الحج موعد الروح لترقى, والنفس لتتطهّر..
موعد العودة للولادة الأولى, وللبراءة من المسار..
و للنداء الخافت, والجاهر «الله أكبر» لإيقاعه الخاص, ورونق «لا إله إلاّ الله»..
لمؤثراتها, وانسيابها, وتسللها للكامن تندى بها جوانبه, وتستلهم المزيد..
تُرخي سُدلَها فيوضُ المد الروحي من الهامة لأخمص القدم ,حين العشرة الأولى منه موعد القلوب الواجفة, والوهج الكاشف, والنبض اللاهف..
ووحده المنعم رحمن رحيم عذبة فيوضه، نورانيٌ مدُّه !..
الحج, فينا حركة لا تكل, شعور عارم متّقد, عيون ندية لا تنقطع,
ألسنة نابضة لا تكل, وجنوب تتجافى عن السكون..
ولنا من الحج هدير ضيوف الرحمن, فرحهم, واطمئنانهم, أمنهم, وسقياهم, رغيفهم, ومأواهم..
ولهم منا كفٌّ يمتد بشربة ماء لمن يقصد, وقِدرٌ يمدُّ بلقمة غذاء لمن يحلُّ, ومنزلٌ لا تغلق أبوابه البتة, أذرع بسعة الصدور تنفرج لهم , ويمتد الثرى يحملهم..
و... صادق الدعاء يحفُّهم..