عبده الأسمري
الموت هو النص الوحيد الذي نتنبأ به ونعرف قدريته ولكننا لا نكتبه ولا نقرأه.. هذا النص المقترن بالإنسان والحقيقة المتلازمة للحياة والنهاية الأبدية الحتمية يكتبه القدر بأمر الله بلغة لا تستثني أحدًا.
يرحل الإنسان من الدنيا إلى دار الآخرة يترك بعضهم المال والعقار الذي يكون شرارة خلاف أو حرمان مؤجل أو ابتلاء مبرمج.. ويبقي آخرون عتاد دنيا زائل إلى ذرية ضعفاء أو أقوياء يكون للقدر معهم مشاهد أخرى من أطراف النعم والنقم..
في قاموس الموت عظماء وأوفياء وأتقياء وأنقياء منهم أصحاب الجاه والسلطان وعامة الناس وبينهم الأغنياء والبسطاء.. في هذه المعادلة البيولوجية والسيكولوجية العظيمة تتوارد ثقافة الميراث الحقيقي وتسرد قصة البقاء الأخلاقي وتبلور منابع الأيمان بلغة البشر الذين يظلون شهداء الله في الأرض..
كل متعلقات الإنسان لا ترافقه ولكن متلقيات الحساب تلتقيه في قبر يعد مثواه الأخير الذي ينار أو يظلم وفق كشف حسابه الدنيوي..
في الحديث الشريف ينقطع عمل العبد إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.. وهذا الصحيح والأصح في معادلة الحياة والموت..
وإذا ما شرعنا الأمر وأشبعناه بحثا فإن ميراثًا لا يقدر بمبالغ الأرض ولا بعقارات الدنيا يتمثل في ميراث الأخلاق فكم من البسطاء الذين ظهرت مناقبهم وأعمالهم بعد الرحيل واجتمعت الثلاث هبات من الصدقة والعلم والدعاء في قبضة الأخلاق وفي ميزان الخلق الذي جعل وراء البعض أرتالا من البشر ينعونه ويبكونه يدعون له يترحمون عليه يتبادلون قصص أخلاقة ومآثر مواقفه.
الميراث الحقيقي في الأخلاق الباقية للإنسان بعد رحيله.. وأتذكر هنا قصصاً للعديد من أصحاب الخلق الرفيع ممن تركوا وراءهم ثروة يتقاسمها الناس من بعدهم لينثروا دعوات الرحمة والغفران ويجندون أنفسهم للصدقات ويملؤون عقولهم بعلم الأخلاق الذي تركوه بينهم.
ميراث الأخلاق متاح للجميع قابل للقسمة الواحدة والعادلة والمتاحة بين كل من يعرف الميت أو حتى سمع عنه أو حينما ينقل هذا الإرث لأجيال وراء أجيال..وهذا الميراث وحده يخلف التنافس الشريف والتعاون الأشرف في منظومة الفائدة التي تتركها الأخلاق كدروس ومنهجيات في عالم الحياة بعد الموت. وفي ميزان الميت بعد رحيله.
هنالك من رحلوا كان الموت في هذه الحالة قدرية لحظية نقلت الجسد إلى حيث الغيبية وخلدوا وراءهم مناهج من الأخلاق والمآثر الإنسانية التي شكلت ديمومة مذهله تقاوم غيبية الموت وبقاء روحي يسطر معجزة الخلق الحسن في مقاومة الغياب القسري وأن الأنفس تعيش بما تخلد من ذكريات خالدة في أرواح البشر حتى وإن غابت الأجساد وارتحلت قوافل الأوفياء إلى دار القرار.
في الموت عبرة وللأخلاق اعتبار وللإنسان قدرة واقتدار في تحديد منهج للآخرين ليدرسوه بعد مماته.. ليتعلموا وليتدربوا ولينهلوا مما ترك.