د. محمد شوقي مكي
وردتني رسالة من أب غيور على وطنه فحواها أن ابنته تخرجت من المرحلة المتوسطة وسألها عن بعض المعلومات العامة عن جغرافية المملكة مثل حدودها ومواقع بعض المدن، وهي معلومات قد تكون ثقافية في حدها الأدنى. ولكن ابنة هذا الأب لم تستطع الإجابة على أي سؤال. الأمر الذي جعل الأب في حيرة من أمره طارحاً سؤالاً مهماً عن كفاءة التعليم في بلادنا لتنشئة أجيال تعرف معنى الوطن لكي تعتز به وتدافع عنه. ولعل سؤال الأب يفرض هنا سؤالاً عميقاً: أليس المطلوب من التعليم العام في جميع مراحله أن يهتم بشكل أساسي على تعريف التلميذ على معلومات عامة وأساسية عن وطنه لترسخ مفهوم الوطنية ومكوناته؛ والتي ترتكز أحد أهم أركانها على تحديد المكان وامتداداته وعلاقاته؟
ولعل هذه النتيجة تطرح سؤالاً آخر لا يقل أهمية وهو: هل السلبية في القدرة على الإجابة تعود إلى تغير مناهج التعليم، وحذف بعضها، ودمج بعضها الآخر دون استشارة المتخصصين في علوم المكان (الجغرافيا)، أم لأن بعض مراكز التعليم لا تزال تقدم المعلومة بطريقة تقليدية.
لا شك أن وزارة التعليم تقوم بجهود كبيرة في سبيل تطوير المناهج والعملية التعليمية، ولكن هناك بعض الثغرات التي تحتاج إلى بحث وتدقيق لمعالجتها في المناهج وطرق التعليم ليصبح التعليم تعلماً، مع التركيز على مهارات التعليم والتفكير- مهارات التعلم لتسهل سرعة التقاط المعلومة وترسيخها في الذاكرة، ومهارات التفكير لتطوير القدرة على استرجاع المعلومة والتفكير في تطبيقها في المكان والزمان المناسبين.
إن التيقن من المعلومة الجغرافية والقدرة على تطبيقها يحقق العديد من الفوائد؛ لعل من أهمها: معرفة خصائص وميزات المكان -الوطن- الذي نعيش فيه، وحقوقه علينا في حمايته وتنميته. هذه القدرة تنمو مع تقدم الطالب في العمر والتعلم والعمل، ومن ثم المساهمة في التخطيط الصحيح لتنمية هذا الوطن من قبل كل العناصر الفاعلة في المجتمع، وعدم إعطاء حق امتياز التنمية لتخصص دون آخر. وبالتالي يصبح مفهوم المكان والوطنية متلازمان تفهمه كل الفئات العمرية والتعليمية في المجتمع، ويسهم في بنائه منظومة متكاملة.
لعل ما دفعني إلى نثر هذه الأفكار خبراً في وسائل التواصل الاجتماعي أورد التخصصات الضرورية لتنفيذ مشروع البحر الأحمر، ولم يكن من بينها الجغرافيا. الخبر الذي يؤكد الخلل في التعليم والتخطيط الذي جاء مبتوراً من التحليل والتفكير المتعمق. إن تحديد مكونات المشروع وتحديد مواقعها يلزم وجود الجغرافي لتحقيق التنمية البيئية (بعناصرها الطبيعية والبشرية) المتوازنة.
- رئيس مجلس إدارة الجمعية الجغرافية السعودية