عَبَبْتُ كأسَ حروفِ الشِّعرِ منْ ثَمَلِ
بينَ النسيبِ وبينَ الحُبِّ والغَزَلِ
وأيْقَظَ الشوْقُ مِن عينيَّ فاتنةً
لفّتْ على الجِيدِ مَعْقوداً من الخُصَلِ
وألْهَمتْ من سَجَى في البَحْر مركبُه
يفـتـِّـشُ اليمَّ عنْ مُسْودَّة المُقَلِ
وكنتُ كالدَّمعِ إذْ يَنْهلُّ أوَّلُهُ
كلُّ التباريحِ لو تَدرينَ في الأُولِ
وقلتُ يا قِبْلةً صلَّى لها ِقدماً
من مُنْطَوي السِّرِّ في مُحْلَوْلِكِ الأَزَلِ
ألا تحسينَ ما بي مِنْ هوىً ومنىً
ألا ترقِّينَ ما بي غيرُ مُحْتَمَلِ
هذا فؤادي وفي أحنائِه شُعَلٌ
وفي أياديه من ريحانةِ الجُمَلِ
يا موطناً مُدَّ في جفْني فأوَّلُه
على الرِّمالِ وأخْراهُ على مُقَلي
في داخلي من هواكَ اليومَ مَلحَمَةٌ
من الوفاءِ الذي يأتيكَ مِنْ قِبلي
أقسمتُ بالحُبِّ والأيمانُ مُغْلظَةٌ
عن عهدِكَ اليومَ أنِّي غيرُ مُنْتـقِلِ
فقد تلبَّسْتُ بالأثواب أجملها
فكانَ ثوْبُكَ عندي أجملَ الحُلَلِ
وقد نظرْتُ إلى الأوطانِ أجمعِها
فكانَ مرآكَ عندي غايةَ الأملِ
قاسمْتُكَ الحبَّ كأساً عن منادمةٍ
عمراً فما كنْتَ ذا هَجْرٍ ولا مَلَلِ
ولو توزِّعْتُ في الدُّنيا على وُصَلٍ
لكان حظَّكَ هذا القلبُ من وُصَلي
ومن ترى في الدنا لا يشتهي وطناً
من التقى والهدى والنُّورِ والمُثُلِ
إليه تهفو قلوبُ الناسِ قاطبةً
لما به من جَلالٍ غَيرِ مُنْتَحَلِ
يا موطناً لم أكن يوماً بمتَّخِذٍ
عنه بديلاً ولو أُغْريْتُ بالبَدَلِ
وكم تمنَّيتُ أن أهدي لها عُمُراً
بأنْ أكونَ لها في الحادثِ الجَللِ
ألم تَشِبْ في ثراها اليوم سالفتي
ألم أكنْ عندها في أكرم النُّزُلِ
ألم أذقْ من لذيذِ الدَّرِّ سائغةً
كريمةً لم تُشبْ بالمنِّ والبَخَلِ
ألم تكنْ قلعةً للعز عاليةً
ألم تكنْ دولةً من خِيرَة الدُّولِ
ألم تكنْ جنةً باليمنِ وارفةً
وحولَها عاشَ أقوامٌ على وجلِ
هي التي تنتهي الآمالُ في يدِها
وعندها يكتبُ التاريخُ عن رجلِ
سلمانَ يا سيّدي قُدْنا إلى أملٍ
فسؤددُ العزِّ والأمجادُ حَيثُ تلِي
وقدْ عَقدْنا على كفَّيكَ ألويَةً
من الوفاءِ بلا غَدرٍ ولا دَخَلِ
لأنَّنا لم نجدْ إلاكَ مقتدراً
على الأمانةِ والأحمالِ والثِّقَلِ
فبايعَتْكَ وجوهُ الناسِ باسمةً
إلى غدٍ مشرقٍ بالسعدِ مُتَّصلِ
وهذه الأرضُ مذْ كانت ومذْ وجدت
تنأى عن الشرِّ والآثامِ والخَطَلِ
لها المواثيقُ أنَّا سوفَ نصْدقها
جداً بجدٍّ وإدماناً على العَملِ
حتَّى نقيمَ لها في الشَّرقِ معلمةً
حتى يقولَ عدوٌ ليتَ ذلك لي
هي الديارُ التي بالحبِّ قدْ غُرستْ
وأنْبَتتْ طيِّبَ الأهواءِ والمِلَلِ
هي التي صانَها الرحمنُ مِنْ قدمٍ
وصاغَها موئلاً للدينِ والرُسلِ
كلُّ الفضاءات قد ضاقتْ ومنزلُها
حلَّتْ به هذه الدُّنيا ولمْ تَزَلِ
** **
- خالد محمد الغيلاني