معلوم عند أهل العلم أن عقوبة الجلد مقررة شرعا، وهذا أمر لا جدال فيه، فقد وردت نصاً في الحدود كحد الزاني البكر، وشرب الخمر، والقذف، كما وردت في أبواب التعزير، فأما ما كان منها حداً فهذا أمر لا مناص منه ولا بد من إيقاعها.
ولكن يبقى النظر فيما كان منها من باب التعزير، فالأمر فيها اليوم متروك للقاضي وتقديره للمصلحة في إيقاع الجلد كعقوبة، وعدد الجلدات وطريقتها، وهنا تكمن المشكلة، فالاحتجاج بالمصلحة فتح علينا باب التعزيز بهذا الشكل المرعب الذي صرنا نشهده من كثير من القضاة، فالحكم بالجلد بهذه الأعداد الهائلة، على أي رأي تستند؟ خاصة أنها تكون غالباً في قضايا جنائية تعتبر في جلّها محل شك في الثبوت!
والسؤال: لماذا يجنح كثير من القضاة للأخذ بالقول الفقهي الذي يقول: انه لا حد مقرر لعدد الجلدات في التعزير، بل هو مفوض إلى الإمام وإلى اجتهاده؟ مع أن المذهب الذي يحكم به في القضاء عندنا هو المذهب الحنبلي، ومعلوم قول الحنابلة في هذا الباب وأنه ( ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات لحديث أبي بردة مرفوعا: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله» متفق عليه وهذا هو قول كثير من أصحاب الإمام أحمد )، ومع ذلك القضاة يخرجون عنه لأقوال أخرى من غير مصلحة ظاهرة ولا دليل بيّن ؟
وقد وقفت على أحكام مؤلمة في هذا الباب، واطلعت على آثارها على المحكوم عليه وعلى أسرته وأهله، بل وعلى عمله، ولا أظن أن مثل هذه الأحكام ستحقق المصلحة المرجوة منها وهي إصلاح الجاني، وعقوبة المخطئ.
والمأمول من معالي وزير العدل وفقه الله، والهيئة القضائية أن يعدلوا من هذا الوضع المزعج، وأن يكون هناك تقنين لهذه العقوبة بما جاء في المذهب الرسمي لهذه الدولة المباركة، خاصة في وجود ضعف علمي واضح عند بعض القضاة وفقهم الله.
** **
د. عبد الله المعيدي - استاذ الفقه المقارن بجامعة حائل