د. محمد عبدالله الخازم
يلح عليّ هذا الموضوع بالكتابة عنه، كلما عدت للرياض، حيث العودة بعد غياب تمنحك مساحة للتأمل أكثر مما لو كنت داخل المدينة. مدينة الرياض تزداد اكتظاظاً وتزداد ضوضاءً ذلك يضغط على طرقاتها، خدماتها، محلاتها، مستشفياتها، مدارسها، أسواقها والأهم من ذلك يستهلك الوقت ويزيد سكانها توتراً وقلقاً.
بحثت عن المعلومات، لعل ملاحظاتي مجرد انطباعات فوجدت الأرقام مقلقة جداً. وفق إصدار لغرفة الرياض حول الرياض عام 2017م وجدت سكان الرياض بلغ 6.5 ملايين نسمة، والأهم من ذلك هو نسبة النمو المخيفة لكل من يخطط لهذه المدينة والبالغ 4% (أربعة في المائة تعني 260 ألف سنوياً). هذا يعني زيادة متوقعة تزيد على مليون نسمة خلال أربع سنوات. بل هناك من يرى بأنّ نصف سكان المملكة قد يتجمعون في الرياض خلال أقل من ثلاثين عاماً، في حال استمر النمو بهذا الشكل!
أزلنا الأرصفة وحوّلنا التقاطعات إلى كباري ووسّعنا المستشفيات وزدنا الجامعات وكل ذلك على حساب جودة الحياة، سهولة الحركة، توفر الخدمات، راحة السكان، زيادة الضوضاء، زيادة التلوث، صعوبة الإدارة، صعوبة الضبط الأمني، صعوبة الحياة الاجتماعية، وغير ذلك مما يسببه نمو المدينة بهذا الحجم وهذه السرعة وأحياناً العشوائية...
هيئة تطوير الرياض، إمارة الرياض، غرفة الرياض، أمانة الرياض وغيرهم من الجهات العليا بالمدينة شكراً على جهودكم في مدينة تزداد حياتها تعقيداً، لكن ما هو دوركم في تقليص أعداد السكان أم أنكم سعداء بمزيد من التوسع؟!
أعتقد أنها مهمة الجهات أعلاه ومرجعياتها الوزارات الأم الإسهام بنقل هذا الأمر لأنظار الجهات العليا ذات العلاقة. وأدعو المجلس الأعلى للاقتصاد والتنمية لدراسة الموضوع بجدية وطرح برنامج زمني واضح لتقليص عدد سكان الرياض كخطوة أولى نحو تسهيل الحياة فيها.
المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والتنموية مسؤول في مهامه الاقتصادية بتوزيع الاقتصاد، وعدم تمركزه في مدينة واحدة، ومسؤول في شقه التنموي عن توزيع التنمية وترشيد الهجرة للمدن الكبرى وتسهيل حياة الناس. أدعو لإيجاد خطة معاكسة وصارمة مضمونها تقليص سكان مدينة الرياض - والوضع ينطبق على مدينة جدة - إلى معدلات مقبولة. شخصياً أعتقد أن الرياض ستكون مدينة مثالية بعدد سكان أربعة إلى خمسة ملايين نسمة بحد أعلى.
لا ننسى أن الرياض هي العاصمة وتعقد بها قمم ويزورها رؤساء وهي مقر الحكومة والسفارات، وقريباً ستكون عاصمة مالية بانتهاء المقر المالي. ولكثافة سكانها وازدحامها أصبح ملحوظاً بأنّ إقامة أي حدث من تلك الأحداث يتطلب إيقاف الحركة والحياة المعتادة في بعض أجزاء المدينة. أخشى أن يتسبب ازدحامها الشديد في تقليص بعض مناشطها الحكومية والدولية المهمة، لذا أكرر مناشدتي ومطالبي بتقليص عدد سكان الرياض بما لا يقل عن مليون نسمة خلال فترة لا تتجاوز أربع سنوات.
يجب نقل بعض الأنشطة الحكومية والأهلية، التي لا يتطلب وجودها في العاصمة إلى خارجها. سيكون هناك ثمن مادي وربما إداري للقيام بحلول صارمة في هذا الشأن، لكن على المدى البعيد ستؤتي خراجها وثمارها بإذن الله. وستكون فائدتها ليست فقط لصالح الرياض، بل للمدن والمناطق التي تنقل لها بعض النشاطات القائمة في الرياض حالياً أو مستقبلياً.